18 ديسمبر، 2024 6:08 م

خوزيه موخيكا ، مزارع أوروغواي وسياسي ، حياته مفعمه بالنضال والزهد والبساطة شغل منصب الرئيس الأربعين الأوروغواي من عام ٢٠١٠ إلى عام ٢٠١٥ . سجن لمدة ١٢ عاما خلال الديكتاتورية العسكرية في السبعينيات والثمانينيات . يلقب بأفقر رئيس دولة في العالم . عاش حياة زاهدة طيلة توليه رئاسة جمهورية الأوروغواي بعيداً عن برستيج حياة المسؤولين والرؤساء في البذخ والمجن . ويقيم في مزرعة بسيطة في منزل زوجته لوسيا توبولانسكي بالقرب من العاصمة الأوروغوانية مونتفيدو ولا يملك الا سيارة فولكس فاجن بيتيل صنعت عام١٩٨٧. بسبب أسلوب حياته التقشفي وتبرعه بقرابة تسعين في المئة من راتبه الشهري الذي يساوي١٢٠٠٠ دولار أمريكي للجمعيات الخيرية والشركات الناشئة والناس المحتاجه . عرض الرئيس الأروغواني خوزيه موخيكا للمصالح الاجتماعية في حكومته في شتاء عام٢٠١٤ بفتح أبواب قصره الرئاسي المعروف بكاسا سواريث أي رييس للأشخاص المشردين في حال عدم اكتفاء مراكز إيواء المشردين في العاصمة . وقد رافقت تلك الدعوة الى تدفق أعداد كبيرة من الجالية السورية الى هذا البلد الآمن .

في بداية حياته أنضم الى المقاومة الثورية كان مقاتلاً سابقاً في منظمة ( توباماروس ) الثورية اليسارية وهي جماعة سياسية مسلحة مستوحاة من الثورة الكوبية. دافع عن مصالح بلده وحقوق شعبه تجسيداً لمسيرة حياته النضالية كمناضل يساري وتحمل سجون وحرمان من رغد العيش في حياة طبيعية .

في سبتمبر ١٩٧١ تمكن مع رفاقه من الهروب من السجن عن طريق حفر نفق من داخل السجن انفتح في غرفة المعيشة في منزل قريب. أُعيد القبض على موخيكا بعد أقل من شهر من هروبه ، لكنه هرب من بونتا كاريتاس مرة أخرى في أبريل ١٩٧٢. تلك المأثرة النضالية تعيد بنا الى عام ١٩٦٧ ، عندما حفر الشيوعيين العراقيين في سجن الحله نفقاً للهروب منه ، وكان للمرحوم حسين سلطان مشرفاً على عملية الحفر والهروب مع الشاعر الكبير مظفر النواب ، وقد أدى بهم تلك النفق الى مرآب السيارات ، وأثناء خروجهم الى الساحة بأول الفجر توقع حارس المرآب أنهم أشباح يخرجون من تحت الأرض .

ولد موخيكا في ٢٠ مايو ١٩٣٥، لديمتريو موخيكا ، من أصول إسبانية من الباسك ،ولوسي كوردانو ، ابنة مهاجرين إيطاليين. كان والد موخيكا مزارعًا صغيرًا أفلس قبل وقت قصير من وفاته في عام١٩٤٠ ، عندما كان ابنه في الخامسة من عمره ، كان والد والدته من المهاجرين الفقراء للغاية من ليغوريا. ويرفض موخيكا في الحصول على أي راتب تقاعدي عن فترة خدمته كمناضل يساري وسجين سياسي سابق وعضو في مجلس الشيوخ ورئيساً للدولة رغم ما حققه من خطوات وأنجازات لشعبه ووطنه .

كانت من أول أهتمامات “موخيكا” في فترة حكمه والتي أمتدت لخمسة سنوات التركيز على إعادة توزيع الثروة في بلاده بشكل عادل ولتشمل كل فئات المجتمع ، وقد تمكن مع حكومته من خفض معدل الفقر من 37% إلى 11%، وشهدت الأوروغواي ، انخفاضاً كبيراً في معدلات الفساد، وتضاعُف مؤشرات الشفافية، حيث سجلت المنظمات الدولية أوروغواي الدولة الأقل فساداً في أميركا اللاتينية، ويرجع ذلك إلى إحساس “موخيكا” العميق بالفقراء والكادحين وتاريخه النضالي والتضحيات التي قدمت مع رفاقه لأجل ناسه وشعبه ، فهو لم ينسَ ، وكان على الدوام يضع نصب عينيه ظروف نشأته الفقيرة ومعاناة الناس من الفقر والتوق الى الآمان والحرية ، ولم ينسى نشأته وطفولته ، ويتذكر الايام عندما كان في صباه بائع زهور في شوارع العاصمة من أجل سد رمق الجوع .

كان “موخيكا” من أشد المعارضين للحروب ويعتبرها إنتهاك لحرمة البشر وتؤدي الى الهلاك والتخلف ، ويقول: “إن العالم ينفق مليارات الدولارات على الحروب، ولو أنفق ربعها على التنمية لتغير وجه العالم”، وكان دوماً يقترح المفاوضات حلاً وحيداً للصراعات وتجنب الكوارث ، ويؤمن بلغة الحوار ، ويصر أن الطريقة الوحيدة لضمان السلام العالمي هي بث روح التسامح والعفو . ومن شعاراته: “التقشف هو جزء من النضال من أجل الحرية”. وتأمين حياة آمنة لشعبه .

أما أولوياته في الحكم، فكانت التعليم ركن أساسي في تطور المجتمع والرقي به الى مصافي السلام والبناء ، حيث قال: “لا بد من الاستثمار أولاً في التعليم؛ فالشعب المتعلم لديه أفضل الخيارات في الحياة، ومن الصعب أن يتعرض لخداع الفاسدين”. وركز في حياته كمسؤول للدولة على مفاصل التربية والتعليم وأهميتها في حراك وتطور الشعوب ، ولم يبخل يوماً في دعمها ومقومات تطورها .

ومن أقواله أيضاً: “السلطة لا تغير الأشخاص، ولكنها فقط تكشف حقيقتهم”.

بعد أن أنهى فترة رئاسته، لم يحاول تغيير الدستور، ولم يسعَ لتمديد حكمه، بل سلَّم السلطة لمن أتى بعده بسلاسة وبروح رياضية معرباً عن أمله للرئيس الجديد بمواصلة نفس الطريق في التنمية والبناء ، واختار العيش في حياة بسيطة، على سجيته، ليكون مثالاً فريداً في التاريخ يقتدى به ، في العدل والزهد.. وأنموذجاً للرئيس الذي يسعى لخدمة شعبه والتقرب منه، ليس بالشعارات فقط، وإنما بالعيش معه، وعدم التعالي عليه . وبمقارنة ما يجري اليوم في عالمنا من أنظمة حكم وبرلمانات ومجالس وأحزاب بعيدة عن تلك المثل والتقاليد في بناء الانسان والبلدان .