يتفاخر المطرب العراقي حسين نعمة دوما بأن جده ( سيد سريح سيد كاغد سيد حسين سيد علي الياسري ) يقرأ البخت وخيال الغيب المستقبلي لزبوناته من خلال احجار الحصى وآيات من القرآن .وهو بالكاد يتلمس النور من عينيه .
وربما بعد شهرة حسين نعمه في عالم الفن زاره مرة او مرتين ، ولكنه لم ينسى ان يذكر في اكثر من مناسبه ان سيد سريح وهو ابن عم والدة الفنان حسين نعمة واحد من اصحاب البركات وقارئ البخت المشهورين في الناصرية منذ ثلاثينيات القرت الماضي وحتى وفاته ، فيما السيد كان جارنا في بيته بزقاق مجاور بيتنا يشاركه في السكن ولده عدنان واخته والدة السائق طالب لوتي .
وطوال طفولتي كنت اراقب السيد حين تزوره نساء المدينة وهن يستجرن بعرافته وقدرته العجيبة في قراءة الطالع وايجاد دواء لبعض الامراض ، والكثير من زبوناته هن من مثقفات المجتمع من معلمات وموظفات وربات بيوت.
فضل سيد سريح أن يعيش في غرفته التصف وظلمة التي تعيد الي الذهول الطفولي يوم كنا اطفالا ونراقب طقوسه وموقد البخور وكتاب القران الذي يضعه في حظنه فيما يضغ امامه انية يسمونها ( الطبك ) المصنوع من القصب والحصران وينثر عليها احجاره واغلب هذه الاحجار هو حصى ملونة ملساء وقواقع واشياء مختلفه وربما من بينها كانت هناك قطعاً من عظام الهدهد لأتخيله الان كواحد من كهنة اساطير الزمن السومري حيث بسبب طفولتنا كنا لا نفهم تراتيله الطقوسية التي غلبت عليها ادعية وعبارات مسجعة يختارها هو او ايات كريمة من كتاب الله ، وهو يحرك رأسه وينحني معه الى ركبتيه ، وكنت اراقب يشماغه المصبوغ باللون النيلي الغامق وثوبه الاسود فأستغرب ان اليشماغ لايسقط مع طقوس انحاءه ، ومتى ينتهي يضع امام زبونته خيارات حياتها وقراءته لمستقبلها مع زوجها او حبيبها او شريكتها أو يصف لها بعض الاعشاب واذا استدعت الحالة يصنع لها تميمة ( الحرز ) فتأخذها وهو تكاد ان تطير من الفرح ، لتضع في الطبك قطعا من النقود قد لايتعدى الدرهم ، ولكن الغنيات والموظفات منهن في بعض المرات دينارا او نصف دينار او ربع دينار.
ذلك المكان الكهنوتي الذي سكنه سيد سريح ظل طوال ستينيات القرن الماضي مزارا خفيا للكثير من نساء المجتمع اللائي المنتميات الى عوائل معروفة ولم يكن يردن ان تعلم اسرهن انهن يذهبن الى بيت سيد سريح في ذلك الزقاق في شارع سيدناوية قرب ماكنه ناجي عجام ، فكان شارعنا الفقير بسبب وجود سيد سريح من اكثر الشوارع التي تضرب على ارصفته ايقاعات الشحاطات والاحذية الغالية ذات الكعوب العالية لنساء قادمات من الادارة المحلية ومنطقة المتنزه وشارع بغداد واغلبهن من اسر بيروقراطية.
لا أدري لماذا اشعر ان بركات سيد سريح تتحقق في الكثير من نبؤاتها ، وانه الوحيد من يمتلك القدرة لطرد الشياطين من اجساد بعض اللائي يعتقدهن انهن مصابات بمس ما .
لهذا كانت بعض جلسات العلاج تطيل لساعات يحاول فيها سيد سريح من اخراج الجني من جسد امراة اراها ترتجف امامه كمن مصاب بالصرع وهي تستغيث بأصوات مبهمة فيطمئنها بقراءات من سورة الكرسي او البقرة ثم يشعل بخوره ويبدا طقوسه في المداواة دون ان يغلق الباب وامام من يرافقها ( أختها أو صديقتها ) ربما بسبب انه يتعامل مع زبائنه بالصوت لانه بالكاد أن يرى.
أعتقد ان وجود سيد سريح كجار لنا ، منحنا معرفة بهيبة تلك الطقوس الروحانية ، وظلت صورته التي كانت ترعب فيَّ شيئا من خيال طفولتي تقودني الى البحث عن معرفة تلك القدرة التي يمتلكها العرافون واصحاب البركات واغلبهم من ينتمي الى الجهة الموسوية والياسرية والنبوية ، وربما بموهبة الروح يمتلك سيد سريح قدرته على كشف مسار الرؤى واقدارها في عالم البشر ولكن اغلبهن من النساء.
مات سيد سريح ؤحمه الله وهو يمسك صمت غريب في عمر طويل وشيخوخه ابقاها صامتة في تلك الغرفة النصف مضاءة ومع يشماغه الازرق الغامق وصمته ليسجل بالنسبة لنا صورة من صور بركة ذلك الزقاق الذي كان الكثير يؤمهُ طالبا لبركة ما أو علاجا لحالة في جسده.
أتذكر الآن سيد سريح …
وأقف عند ذاكرة المكان ، بيته الذي باعوه وتهدم ، وكنت اتخيله والى اليوم واحد من بقايا معابد ارواحنا وهي تبحث قي طفولتها عن اجوبة لاسئلة اجفانها المندهشة من كل تلك الادعية والطلاسم التي كان المرحوم سيد سريح يتلوها بصوته الموسيقي الناعم.