حين تركت العراق والموت والدمار خلفي توجهت مكظوظاً مهاجراً الى الولايات الويات المتحدة ،حيث كنت اقضي جزء من الليل اتهجد وادعو الله قانتاً ان يحفظ ماتبقى من اهلي واقاربي ويقي العراقيين المسالمين من شرور الاشرار المتعطشين للدم لاسيما بعد تصاعد العمليات الارهابية في 2005 التي ينفذها ويدعمها ممن فقدوا سؤددهم وعراقيتهم وانسانيتهم ان كانوا قد عرفوا يوما معنى للانسانية.
وذات يوم ثلجي تلونت فيه مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان الاميركية التي اعيش فيها باللون الابيض من كثرة تساقط الثلوج التي صاحبتها موجة من البرد والصقيع ، بحيث اصبح يصعب على المرء الخروج مشياً ، وهنا حدثت المفاجاة في هذا اليوم بعد ان تطرق الى سمعي قرع طبول واصوات ابواق تتوزع مع هتافات صدح منها ” يازهراء ابدا والله ماننسا حسينا ” دهشت لذلك الهتاف وكأني في حلم ، فليس من المعقول ان تكون هنا مواكب تخلد اربعينية الامام الحسين (ع) في هذه البقعة النائية من العالم ، هرعت متناسيا شدة البرد وصعوبة المشي وسط هذه الثلوج .
وكانت المفاجأة ان أجد الحسين قد تسيد على قلوب الآلاف من العرب الاميركان من مختلف الاديان والطوائف وهم يحيون ذكرى اربعينيته في مسيرة راجلة تعكس اروع الصور المثيرة للشجون ، حيث تزحف هذه الجموع والمواكب الى احدى الحدائق العامة (بارك) لتحيي هذه المناسبة ومبايعة الحسين ، وكأنما تزحف مع الملايين من الزوار في العراق المتجهين صوب كربلاء.
لقد طاعوتُ قدماي للسير مع هذه المواكب نحو المشهد الذي يجددون فيه البيعة والولاء للثورة الحسينية التي كتب الله عزوجل لها الخلود من خلال استمرارية وتعاظم تلك الشعائر التي وصلت الى القارة الاميركية.
لقد كانت صور الاطفال والشباب المشاركين في تلك المسيرة هي اكثر ما اثار في نفسي النشوة والاعجاب ، وكأنهم يخطون للعالم لافتة كبيرة بكل اللغات بأن الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.