23 ديسمبر، 2024 6:06 ص

سيد الألوان يُعزي سيد الأكوان

سيد الألوان يُعزي سيد الأكوان

تولَدُ الأشياء بصعوبة, وَتمرّ عِبرَ مراحِل مُعَقدة, لِتكبر وتنضج وتلمع, وتتصدر لِتُخَلَّد, الحرفُ مثلاً يجوبُ رَحم الخيال الواسع, يخرجُ منهُ قَهراً, ويولَدُ ضعيفاً فقيراً, فيكبر ليصبح كلمة, بعدها يتحولُ إلى جملة, ثمّ فكرة فموضوع وقضية وخيال بمداد الحبر, وإيقاعات وإيماءات وصراع يمتدّ إلى نقطة الخاتمة.
اللون الأسود ولدَ على غير عادة الألوان, كان مكروهاً ومنبوذاً, غير مرحب بهِ, كثير ما يُستهانَ به, بِألقاب السخرية والتنكيل, أذهب أنتَ الظلام…الظلم …الجهل…..إلخ, حتى جاء الحسين (عليه السلام) بكربلاء الخارجة عن مألوف الركود, الذي حلَّ بضمير الأمَّة, فَحبّبَ ما كان يُستَهانَ به, وّنَبذَ ما كان يُحبّب, لَم يُغير مسارَ التأريخ فحسب, بل قَلبَ حتى المعادلات العلمية, وخَرق بمنطق العقل عين الواقع, وترجمَ بسهولةٍ لغةَ الثورة المعقدة, إلى حقيقةٍ مقنعةٍ لكل المعتقدات, على مرِّ الأجيال.
طفُّ مُحيّر! كانت الدقائق تسيرُ ببطءٍ شديد! كأنها خائِفة مما سيحصل, ونبضُ القلب يُسرِعُ نحو الشهادة, ودماءٌ تغلي من شدَّة الغيرة, لا زالت حرارتها تَلسعُ بالقلوب الطاهرة, إنّهُ طَفٌ طويل, أبديُّ البقاء, قائِمٌ إلى زوال الكون, إضطربت الأرض في ذلك الطف, أخذت أكفها ترتفعُ إلى عنان السماء لِتلطم وجهها, فتَركت غُبرةً حمراء على خدِها, أعمَت بها عين الدنيا, بَكت لأجلها السماء دماً عبيطاً.
كُلّ الألوان أخذت تتزاحم في لوحة الطف الأليمة, وإرتعدت فرشاتها بِرسم مسارها, فبرزت بتنافسها, إلا ذلك اللون اليتيم, كان ينظر من بعيد ويرتقب, أغمضَ عينيهِ من شدَّة ما رأى, فبكى ليلاً في تاسوعاء الوداع؛ وصَرخَ بظلامه في عاشوراء الدماء, أحسَّ بِغربتهِ عندما رأى الحسين(عليه السلام) غريباً في كربلاء, وحاولَ بِعُتمَتهِ أن يستُر النساء, بعد حرق الخيام وهروبهنَّ من خيمةِ إلى خيمة, فحجبَ بسوادهِ نورَ القمر وضياء النجوم؛ من أن يَطَّلِعوا على أنوارهنَّ.
حينها شاهدَ ألوان الطيف تَجوبُ لوحة الطف, فانتفض ضِدَّ أقرانِهِ, وأعلنَ وحدهُ الحداد, بذلِكَ السواد, على مصيبةِ لم تشهد لها العباد, لم ينسى ما رأى من ألآم, فأخذَ يُجَدّدُ الحزن في كلّ عام, وَوشّحَ في أجمل مكان؛ وأصبحَ اسمهُ فوق كلّ عنوان؛ ولُقِّبَ بعدها بسيد الألوان.