20 ديسمبر، 2024 4:30 ص

سيدي محمد ولد بو بكر؟!

سيدي محمد ولد بو بكر؟!

مرة أخرى يجمعنا الدكتور قيس العزاوي سفيرنا في جامعة الدول العربية بنخبة طيبة من كبار المسئولين في إطار اللقاءات الدورية لصالون الثقافة العربية ومقره ممثلية العراق في القاهرة ،وربما تكون الأمسية الأخيرة لها طعم خاص بالنسبة لي شخصيا ففضلا عن تعرفي على عدد من أهم أعلام النخبة السياسية والثقافية في العالم العربي ، إلا إن لقائي بالسيد محمد ولد بو بكر “آخر رئيس وزراء في حكومة موريتانيا الإنتقالية في تسعينات القرن الماضي”وهو اليوم سفير موريتانيا وممثلها في جامعة الدول العربية في القاهرة، كان له طعم خاص جدا، فلأول مرة أتعرف على شاب مختلف عن النمط السياسي الذي عهدناه في تجاربنا ومشاهدتنا للشخصيات السياسية النمطية المتعارف عليها، كان سيدي بو بكر يتمتع بروح انبساطية عالية وخفة ظل ونظرة منفتحة على الحياة واهتمامات ثقافية وفنية لافتة، تجاذبنا أطراف الحديث طويلا وكنت أشاهد ابتسامته الهادئة المطمئنة والمُطمئنة تترك في داخلي نوعا من التفاؤل في نوعية الدبلوماسية المطلوبة إضافة إلى ثقافته النوعية ورغبته في إبداء اهتمام اكبر بالناس والحياة كما هي عليه من تلقائية وحب للتجديد ،كنت قد اطلعت من قبل ومن فترة طويلة عن أخبار هذه الشخصية السياسية الاستثنائية التي حافظت على مسؤوليتها في إدارة الحكومة الانتقالية وبكل أريحية ورحابة صدر وثقة بالعملية السياسية في موريتانيا، قدم سيدي محمد بو بكر استقالته وخرج  من رئاسة الحكومة الانتقالية مقدما درسا بليغا لكيف ينبغي أن تكون عليه الشخصية القيادية في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد ومن نبل الثوري أن يتعفف عن المناصب والكراسي  وان يختار المصلحة الوطنية العليا قبل كل اعتبار كما إن القرار السياسي الصائب هو أن نملي على أنفسنا اختيار صف الخيار الشعبي وأن نولي الثقة للجانب الديمقراطي الحقيقي في حكم البلاد جملة وتفصيلا ،وهو يقول قي حوار معه أطلعت عليه في موقع “إسلام أولاين ” في مارس 2007 مشيرا إلى ذلك بالقول ( نعم.. أظن أن كل الظروف مهيأة لأن تكون هذه -إن شاء الله- آخر حكومة انتقالية في تاريخ موريتانيا.. لأن كل الضمانات متوفرة الآن لكي تبدأ بلادنا مسار الحرية والديمقراطية، وتسير فيه دون تراجع لتحقق حلم كل الشعب الموريتاني بالحرية.. كما أن المستوى المرتفع للمشاركة الشعبية في الانتخابات البلدية والبرلمانية، ثم الرئاسية أخيرا تؤكد أن الشعب الموريتاني كله يضع ثقته في النظام الجديد)  

هذه الروح التفاؤلية لمستقبل بلاده ومنطقه التشجيعي ربما يكون حافزا  مهما في تحريك الشعوب ومساعدة الحكومات في العالم العربي  لكي تصحح مسارها  في ضوء التجربة المورتانية الجديدة ويفتح أفق الحوار السياسي بين الحكومات وبين الشعوب ولعل في تجربة سيد محمد بو بكر  وما انطوت عليه من ببساطة  وانسيابية  جعلها تصبح حديث الناس ومثار إعجابهم بهذا الأداء السياسي المتقدم، وهو يعرب عن ارتياحه لهذا القرار ويعده من الثوابت في العملية الديمقراطية المطلوبة، بذات البساطة ودون إي تعقيد، خرجنا معا من ممثلية العراق لندور بسيارته الخاصة قليلا في شوارع القاهرة كسبا لبعض الوقت الإضافي للحوار، كنت متلهفا لسماع أرائه والتمتع باكتشاف أبعاد أخرى لهذه الروح الحية التي لفتني بفتنتها الخاصة وأعادت إلي الثقة بالمستقبل السياسي العربي، في ظل الظروف المعقدة وسوء التدابير السياسية وفقدان الحكمة لدى غالبية القائمين على القرار السياسي اليوم فأننا بحاجة إلى نموذج وطني وشخصية عقلانية نتطلع إليها، وكانت ابتسامته الرائعة آخر ما رأيته بين شفتيه وأنا أترجل من السيارة لأسير في شوارع القاهرة المزدحمة التي لاهدوء فيها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات