23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

سيدي الإمام السيستاني ..الحياد والصعود للتلِ

سيدي الإمام السيستاني ..الحياد والصعود للتلِ

 

الكاتب / ثائر الربيعي 

سيدي : ما قيمة الصلاة والصوم  في موقف ما يتطلب ذكر الحقيقة وإبراء الذمة ؟ ليس الصعود على التل هو الحل الأمثل ليتجنب المرء مشكلة ما إنما النجاة بالصدق ،والصدق ايضاً يتطلب ظرف وزمان مناسب لقوله ليكون وقعه أكثر في النفوس ،هناك من يظن أن النار لن تمسه إذا ما ابتعد عنها ،لكنه مخطأ تماماً فقوة سرعة الرياح ستنقلها لعقر داره وستأكل وتحرق الجميع ،فالذي عقر ناقة صالح واحد فقط وأسمه قيدار،لكن الباري أشار في كتابه وعقروها دلالة على الكثرة ،بمعنى انه كل من وهادن وتعاون وقبل ورضي وسكت عن قتلها هو شارك بالقتل ,لأنه رأى فعل الإثم ولم يحرك ساكن عندما جاءته الفرصة ليغير مسيرة حياته لم يفعل رضخ مطأطأ الرأس بما جرى ،فلعن الله امة قتلتك ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به ,فقد جاء في (العقد الفريد) :{أن المنصور بعث الى مالك بن أنس وأبن طاوس فأتياه ودخلا عليه وبين يديه جلاوزة (شرطة ) بأيديهم السيوف يضربون الأعناق فأجلسهما عنده وأطرق طويلاً وأومأ الى أبن طاوس أن يعظه ,فإذا جرت الدماء حتى وصلت الى ثيابه التفت ثانية الى أبن طاوس قائلاً له عظني ويقول مالك :فكنت أضم ثيابي من ثيابه مخافةً أن يملأها من دمه }مشكلة الطغاة يعيشون في شخصيتين متناقضتين هم يأتون بالوعاظ في جلسات أمام المؤثرين بالرأي العام ثم يتحدثون عن العفة والطهارة وحب الخير للمسلمين وحماية الدماء والأعراض من الانتهاك ,ويطالبوهم بالموعظة والإرشاد ونقلهم لصورة الزاهد العبد الفقير للرعية ,وفي الخفاء كانوا يمارسون أوطئ الموبقات وأرذل الأعمال التي يندى لها الجبين ,كان كل ذلك بفعل الأموال التي كانت تعطى لهم لينشروا بين الناس أن خليفتهم يخشى لذكر الله ,وينهال بالبكاء إذا ذكر اليوم الآخر,حيث تقرب اليهم المنافقون والانتهازيون الذين يتاجرون بالدين وينعقون مع كل ناعق لأن الطغاة يجدون ضالتهم في النقوص الذاتي بهم ,أذكر جيداً ابتعاد صادق أهل البيت (ع) عن المنصور بالرغم من المحاولات الحثيثة التي بذلها المنصور لإقناعه بالمجيء اليه ,ومنها كتابه الذي أرسله الى الإمام وقال له فيه :(لمَ) لم تغشانا كما يغشانا الناس ؟فكان جواب الإمام له :{ ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك بها، ولا في نقمة فنعزيك بها،فكتب المنصور إليه تصحبنا لتنصحنا، فكتب إليه أبو عبد الله: من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك } احترام الناس لعالم الدين يأتي من خلال ممارساته التي يترجمها على أرض الواقع مع الناس بتواضعه وبساطته وحلمه وصبره ,والصدق في خطابه الذاتي مع ذاته , هنالك غرف مظلمة  وراء الكواليس تريد إسقاط هيبة العمامة الأصيلة الصادقة التي تأبى السرقة واللصوصية لأنها تمتلك قيم وثوابت تجدها في كل إيثار وزهد وحق تربة على مساعدة الناس وإطفاء نار الفتنة ,لا العيش بوجهين وجهٌ يلبسه عندما يحتدم الوطيس فيتخذ التلِ مبرراً لكي ينجو من المعركة ,ووجهاً آخر عندما تكون الأمور مستقرة فيكون التنظير سبيلاً لنيل مآربه وغاياته ,تجرأ الناس على قول(أهل عمائم الدين سراق ) بسبب بعض من أتخذ من العمامة جسراً ليتاجر بها ويحقق أرباحاً بحكم وجاهتها بين المجتمع ومكوناته ,ولم يأخذ في نظر الحسبان تاريخها ومنزلتها عبر التاريخ ,حدثنا التاريخ عن علماء قدموا أنفسهم لعدم قبولهم شروط المستبد الذي أراد منهم إعطائه شرعية لأفعاله فرضوا ,وهناك من سعى ليضع أحاديث وروايات مزيفة فيها مخارج شرعية لسلوكياته لينال بذلك رضا السلطان ورضاه الحصول على جواري وقصور فخمة وخدم ومال وفير ,والأنكى من ذلك كله تزوير التاريخ لصالحه بكتابة فضائل وأمجاد وبطولات وفتوحات لنشر الإسلام عنه ,وفي حادثة أخرى التقى المنصور يوماً بسفيان الثوري ,فقال له :عظني ,فقال سفيان :وما علمت فيما علمت ,فأعظك فيما جهلت ,أنت تعلم أن الظلم محرم والعدل واجب ومع ذلك تظلم ولا تعدل ,فكيف تعمل في الأمور التي تجهلها حتى أعظك؟ فقال المنصور ما يمنعك أن تأتينا ,وقال قول الله سبحانه { وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}قال له :سل حاجتك ,قال :حاجتي أن لا تدعوني حتى أتيك ,ولا تعطيني حتى أسالك ,فقال المنصور : ألقينا الحب الى العلماء ,فالتقطوا إلا ما كان من سفيان فإنه أعياناً فراراً.