23 ديسمبر، 2024 3:18 م

سيدة موصلية تروي تفاصيل ألحياة أليومية داخل مدينة ألموصل

سيدة موصلية تروي تفاصيل ألحياة أليومية داخل مدينة ألموصل

الحرب التي تخوضها دولتنا ضد ما يسمى التنظيم الارهابي ( داعش ) هي من نوع الحروب غير النظامية , لذلك فإنها لا تخضع للمعايير الدولية فالطرف المقابل لا يشكل دولة بموجب كل القياسات , ولهذا نجد غياب شبه كامل لتواجد المراسلين الحربيين ونقل الوقائع بمهنية , وقد أسهم عناصر داعش في بث روح الرعب لإبعاد أية مغامرة صحفية بعد اعدامه الصحفيين الاجانب بالطريقة التي عرضتها وسائل الاعلام , كما تم تبليغ الصحفيين المتواجدين في المناطق المحتلة بحظر عملهم لنقل اية صورة سوداوية وان النتيجة للمخالفة هي الموت , وتم فعلا اعتقال وقتل عددا منهم لوجود شكوك في تسريباتهم الصحفية , لهذه الاسباب استثمرت وجود سيدة موصلية اثناء زيارتها بغداد لغرض الاطلاع على تفاصيل الحياة اليومية داخل الموصل .

لقد خاطرت هذه السيدة بمغادرة الموصل والتواجد في بغداد بهدف اللقاء مع بناتها المقيمات في العاصمة , لأنها لم تراهم قبل حزيران 2014 وهي لا تمتلك المعرفة باستخدام الانترنيت لكي تتواصل معهم كونها الوسيلة المتبقية بعد قطع الاتصالات الهاتفية بأنواعها وشركاتها كافة , وتقول السيدة بان دخول الدواعش تم مثل الحلم لأنه انجز بساعات بعد انهزام الجيش بطريقة مذلة فعلا , وهي وعائلتها المكونة من بنتين وثلاثة طلاب لم يخرجوا من المدينة لأنها لم تجد الوقت و الضرورة لذلك عندما حوصرت بالواقع الجديد , فالداخلين طمأنوهم بانهم جاءوا لتحريرهم واسعادهم ولتطبيق الاسلام بمعناه الصحيح بعد ان تم تحريفه لأغراض سياسية , وفي الاسابيع الاولى كان التواجد المسلح لأفراد التنظيم واسعا ولكنه اخذ ينخفض يوما بعد يوم من خلال تسليم ادارة المدينة لبعض المؤيدين لهم من الداخل وبعضهم من السجناء ( المحررين ) .

تقول : نوعية الحياة حاليا مدنية الى حد كبير , حيث لا تسمع اصوات انفجارات او اطلاق عيارات نارية وكل ما نسمعه هو اصوات الطائرات التي تمر في اجواء المدينة لتنفذ ضرباتها في الاطراف , الموظفون مؤمنة رواتبهم من الحكومة الاتحادية وهناك من يقوم باستلامها لهم من بغداد او كركوك , ولكن اغلب الموظفين لا يداومون لان الحكومة في بغداد ابلغتهم ان من يلتحق في الدوام يقطع راتبه في الحال وهناك رواتب قطعت بالفعل بسبب دوامهم , وقبل ايام تم تبليغ المعلمين واساتذة الجامعات بالدوام من قبل داعش ولكنهم مترددين اما الطلبة فان اغلبهم يعزفون عن الدوام لانهم يعرفون بان الدراسة غير معترف بها والتنظيم لا يضغط عليهم بهذا الخصوص , وبعض الدوائر تمارس اعمالها ولكن بشكل محدود والمصارف تقوم بصرف الرواتب التقاعدية بموجب البطاقة الذكية والمشكلة يواجهها من لا يملك البطاقة لأنه لا راتب له في مصارف الموصل .

اغلب الاعمال متوقفة , ولهذا فان المدينة تشهد انخفاضا في الاسعار لقلة السيولة النقدية فسعر الطماطة والبصل 250 دينار وكيلو لحم الغنم 10 الآلاف دينار , هناك انعدام كامل للطاقة الكهربائية بسبب قطع خطوط الضغط العالي والاعتماد الكامل يتم على المولدات , هناك ازمة في غاز الطبخ وسعر اسطوانة الغاز وصل الى 85 الف دينار ويتم الاعتماد على ( الجولة ) في الطبخ والنفط الذي يباع رديء النوعية كما ان البنزين يسبب عطل السيارات , وجميع المشتقات النفطية يتم جلبها من سوريا وهناك شحة في مياه الشرب لأنه يجهز لساعات وخلال ايام محددة وهو بنوعية متردية ويسبب الكثير من المشاكل والامراض للسكان المتبقين , الاتصالات معدومة وخدمات الانترنيت متوفرة بشكل متقطع وقد ابلغوهم بانها قيد الرقابة , وعند كل وقت صلاة تشل الحياة لان المحال التجارية والدوائر يجب ان تتوقف قبل 15 دقيقة من اقامتها وفي كل يوم الجمعة تتوقف الحياة عند صلاة الظهر بشكل كامل .

الملابس التي ترتديها النساء جميعا بالزي الاسلامي ولمختلف الاعمار ( الخمار ) وتستخدم في الخروج من المنزل سواء للتسوق او الدوام او لأي غرض آخر للخروج , الممنوعات عديدة ومن ضمنها السكائر التي تباع خلسة والكحول لا يتم التكلم عنه قط والادوية تشهد شحة واضحة , يسمح بالسكان بالخروج من الموصل الى المناطق الاخرى ويكون ذلك بشروط فالمرأة التي يقل عمرها عن 50 سنة يجب ان يكون معها ( محرم ) , وكل من يخرج يجب ان يكون لديه كفيل لضمان العودة خلال خمسة ايام فقط وفي حالة عدم العودة تتم مصادرة منزله ومحتوياته واحالة الكفيل الى المحاكم الشرعية , ويسمح للشباب بالخروج بكفيل ولكنهم لا

يخرجون لانهم قد لا يضمنون العودة فقد يتعرضون للاعتقال في طريقهم الى بغداد لأي سبب كان وبهذا تصادر منازلهم او منازل اهاليهم كما يتعرض الكفيل للأذى بسبب عدم العودة وهناك يشاع بان كل شاب متوجه الى بغداد سيتم القبض عليه باعتبار انه داعشي .

تضيف السيدة الموصلية : ان الحياة في الموصل تحولت الى سجن كبير , والوضع اثناء وجود الجيش الحكومي قبل حزيران افضل من الوضع الآن رغم المضايقات الامنية السابقة التي كان يمارسها من انهزم من المعركة ربما لتشويه صورة الحكومة عن قصد لان الخدمات والمعيشة كانت متوفرة , والجميع يعيش اليوم حالة من القلق الكبير فلا نستطيع ان نخرج ولا نعود فنفقد كل ما نملك , كما ان البقاء ينطوي على مخاطرة عند نشوب معارك التحرير لأننا سنكون بين نارين , والرحلة الى بغداد مكلفة ومرهقة جدا لأنها تتم بمرحلتين الاولى من الموصل الى كركوك بطرق فرعية وغير معبدة والثانية من كركوك الى بغداد بأجرة تزيد عن 100 ألف دينار للشخص الواحد والدخل شبه معدوم , مع وجود احتمالات بقطع الطرق والبقاء في العراء وسط الاخطار ودخول العرب الى كركوك يتطلب الحصول على اقامة لمدة يومين و سوء المعاملة هناك واضح جدا .

سألت السيدة عن بيع النساء في الموصل , فقالت انها تعيش في المدينة ولا توجد هكذا حالات كما سالتها عن المسيطر على المدينة وتواجد الاجانب فأيدت وجود الاجانب في البداية , ولكنهم اختفوا من المدينة فمن يتولى الادارة هم من اهل الموصل والقادة خرجوا من المدينة ولم يعد لديهم وجود , اما عن ( ابو بكر البغدادي ) فقالت : لقد كان موجودا في الموصل قبل اسابيع وان ما يتم التداول به انه يتعالج حاليا في سوريا , وعن القادم من الايام فقد ذكرت انها لا تمتلك سوى الدعوات وان اهل الموصل ينتظرون تحريرهم وعودة الوضع السابق , وتتمنى ان يتم التحرير بشكل لا يضطرهم للنزوح جراء القصف الجوي والمدفعي , واختتمت مقابلتي معها بأسباب عدم مواجهة داعش بالسلاح واهل الموصل شجعان , فقالت ان القليل جدا من يمتلك السلاح لان حملات التفتيش التي قام بها الجيش ( قبل الاحتلال ) جردت السكان من الاسلحة بالتفتيش .

لقد نقلت المقابلة ( بدون أي تحريف ) التي لم افصح للسيدة الموصلية الفاضلة بغرضها , فحجة لقائي بها جاء من باب القاء التحية والاطمئنان على أحوالها باعتبار ان زوج احدى بناتها من اقاربنا , وقد استنتجت من خلال هذا اللقاء معها وهي لا تحمل اية نوايا او انتماءات وولاءات , بان الاغلبية من أهل الموصل يقضون ايامهم بمنتهى الصعوبة والقلق والامل بتحريرهم ومعظمهم لم يبايعوا الارهابيين , وان ما يشاع بان الموصليين قد تحولوا الى دواعش هو محط افتراء فلا يزال ولائهم للعراق , ونستطيع الجزم بان العدو سوف لا يخوض معارك ضروس اذا وجد قوة مهاجمة تفوق حجمه وامكانياته , فالخسائر التي تكبدها في مناطق عديدة بتأثير معارك التحريراو الضربات الجوية قد استنفذت الكثير من قوته , ومما يترك الأمل موجودا النفوس ان النوايا تتجه نحو تحرير الموصل قريبا وهي من رغبات اهلها والنصر فيها سيقصم ظهر داعش وينهي تواجده , ونسأله تعالى بان تنجز بأقل الخسائر الممكنة وبقيادات حكيمة وتخطيط محكم بحق .