معظم السياسيين العراقيين والاحزاب والمراقبين للشؤون العراقية يتفقون على ان رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” فشل في قيادة بلد معقد متعدد القوميات والطوائف كالعراق ولم يكن بمستوى المسؤولية في فترة حاسمة وحساسة من تاريخ العراق، و متفقون ايضا على انه هو لاغيره من يتحمل الوزر الاكبر فيما آلت اليه الاوضاع في البلاد من تفكك وتدهور في العلاقات بين المكونات والطوائف والقوى السياسية والاجتماعية جراء سياساته الطائفية وانهماكه في اثارة الازمات تلو الازمات وخاصة مع المكونين السنة والكرد اللذين يشكلان قوام العراق، كان المفروض به ان يهيء البلاد لمرحلة جديدة تهدأ فيها النفوس وتتصافى القلوب وتتجه نحو التصالح والتسامح وبناء مجتمع آمن ومستقر بعيد عن المشاحنات الطائفية والمنازعات العرقية، تسوده الديمقراطية الحقيقية وحكم الدستور والقانون وادارة السلطة بصورة جماعية تشارك فيها كل الشركاء السياسيين، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، وما حدث انه سعى الى التفرد بالسلطة واخضاع مؤسسات الدولة لنزعته الطائفية والشخصية واقصا الاخرين بحجة الاغلبية السياسية والانتخابية ضاربا عرض الحائط التحالفات والاتفاقات والعلاقات ومواد الدستور والمواثيق التي وقعها حول الشراكة السياسية وتكريس مفاهيم الديمقراطية وتطبيق مواد الدستور واذا ما اعتبرنا ان المالكي يمثل ظاهرة سياسية واجتماعية وثقافية خطيرة تفشت في العراق بعد الاحتلال الامريكي وحولته الى حطام دولة بائسة تنعدم فيها الحياة ولاتصلح لتكون دولة ذات سيادة لا في الداخل ولافي الخارج، واضرت بالعراقيين كثيرا وحولتهم الى اعداء متناحرين لا الشيعي يحتمل السني ولا السني يحتمل الشيعي ولا الاثنان يحتملان وجود الكردي، فان (حيدرالعبادي) سار على نفس سياسته الاقصائية، ولم يخطو خطوة نحو اصلاح ما افسده سلفه ولم يعاقب اي مسؤول سابق ولم يطرأ اي تغيير على الاوضاع القائمة بل بالعكس اتجهت الى الاسوء، ورغم كل التهم الموجهة ضد المالكي فانه ظل يمارس هوايته المفضلة في اثارة الازمات وايقاع الفرقة بين العراقيين شق صف السنة وجعلهم اعداء متناحرين وحول ولاء البعض منهم اليه بينما عادى البعض الآخر وفعل نفس الشيء مع الاكراد فكان من المفتروض بالعبادي اول ما استلم الحكم ان يبتعد عن سياسة سلفه ويفتح صفحة جديدة مع الشركاء السياسيين الذين خاصمهم المالكي وخاض معهم صراع مرير، وان يهيء الاجواء لاقامة محاكمة عادلة لمن قادوا البلاد الى الهاوية لا ان يكافؤوا بمناصب عالية!.. مشكلة المالكي الاساسية لاتكمن في عجزه عن معالجة الاوضاع العراقية الشائكة المعقدة ولجوؤه الى افتعال الازمات لاخفائها فحسب بل حول نفسه الى حارس امين لمصالح ايران في العراق والمدافع الشرس عن سياسته في المنطقة، تؤرقه مشاكلها اكثر ما تؤرقه مشاكل العراق، ففي لقائه الاخير مع صحيفة “الاخبار” اللبنانية دافع بشكل واضح عن ايران وهاجم بشدة قمة “الرياض” والمملكة العربيةالسعودية وهاجم (حيدر العبادي) كذلك وصب جام غضبه على خصمه اللدود رئيس اقليم كردستان (مسعودبارزاني) ووصف ” سياسته الداخلية بالعنف، والتفرد، وتفتقر إلى أي غطاء شرعي. يحكم كردستان على طريقة شيوخ العشائر الكردية سابقاً، والآغاوات!” واعتبر دعوته الاخيرة الى الانفصال “للاستهلاك”! والعجيب ان خطاب المالكي الناري لم يتغير ضد خصومه السياسيين ابدا ولم تلن لهجته الهجومية منذ اول اعتلائه للحكم وحتى الان، دائما اتسمت بالعنف والشراسة ورفض الاستسلام وعدم الرضوخ للواقع المتغير..