أثناء متابعة التقارير الإخبارية على القنوات الفضائية, أستوقفني تقرير يتحدث عن أسواق البالة, والعراقيون يعرفون تلك الكلمة جيدا ( البالة.. الملابس المستعملة) فحوى التقرير ينقل واقع البلاد والعباد, وتأثير الأزمة المالية, والتقشف على أوضاع الناس, ومستوى الفقر الذي أنقض على البسطاء, وعصف بجيوبهم ورواتبهم ومدخراتهم, ولم يصل الى بنوك وبيوت الحرامية!
يوضح التقرير كيف تعج تلك الأسواق بالبسطاء, وذوي الدخل المحدود من المجبرين على أقتناء الملابس لأطفالهم, تزامنا مع موجة البرد القارس, ومتطلبات المدارس.
الملفت في هذا التقرير أن أحد المتبضعين من هذا المكان.. مقاتل في الحشد الشعبي! ترك بيته وأهله, والتحق بجبهات القتال, ليقدم نفسه ودمه, ورغم عطائه هذا لا يملك ثمن أقتناء ملابس جديدة لنفسه! فأي أجحاف مقابل العطاء؟ وأين أولي الأمر من قوله تعالى ( هل جزاء الإحسان ألا الإحسان) الرحمن آية 60, وأي إحسان يكافأ بذل النفس؟
سرعان ما أزدحمت الصور في ذاكرتي, البدلات الأمريكية والتركية, السكائر الكوبية, الأحذية الإيطالية, العطور الفرنسية, سيارات الفيراري, ترليون النازحين ترليون الهلال الأحمر, مليارات فلاح السوداني السبعة, قصور المحيط في الكاظمية والكرادة, وأوراق الانتخابات والأجهزة اليابانية, والحبر التايلندي, والصناديق وحملات التمويل, وتوزيع الهدايا والهبات…ووو!
خزينة خاوية, وبلد على حافة الإفلاس, رجال يقدمون النفس, ويرضون بالقليل مؤامرات تحاك في الخفاء لضرب الحشد, متاجرة بدماء الشرفاء, أصطياد في الماء العكر , ووطن يبحث عن قرابين.
مقاتل يبحث عن ملابس قديمة ليلحق بركب الشهداء, وسياسي يقتني بدلات أنيقة ليقيم سهرات مع شركائه في اللصوصية, خنادق وفنادق, مضامين فارغة عارية, تبحث عن ما يسترها, حتى وأن كانت الأبدان تكسوها بدلات الفخمة, ومضامين أخرى ممتلئة, بكل المعاني المشرفة حد التخمة, حتى وأن الأبدان النحيلة تكسوها ملابس بالية, وتبقى الحقيقة الوحيدة لو أن أشباه الساسة عُرضوا للبيع, مع ما يرتدون, في أسواق البالة, لما أقدم على أحد أقتنائهم, بأبخس الأثمان, بينما تبقى بساطيل من يتشرون البالة, أغلى من الحرامية وكراسيهم!