23 ديسمبر، 2024 8:57 ص

سياسي الصدفة ورجل الدولة 

سياسي الصدفة ورجل الدولة 

في مساء ٢٨ نيسان ١٩٦٩ تنحى الجنرال  شارل ديغول عن كرسي الرئاسة في فرنسا، وذلك بعد أقل من عام على اندلاع مظاهرات العاشر من آيار ١٩٦٨ في باريس، التي قادها الطلاب والمثقفون. نزل سارتر للشارع وألقت القبض عليه الشرطة وهو يوزع المنشورات، فأمر ديغول بإطلاق سراحه فوراً قائلاً ؛”من يستطيع سجن فولتير ؟! أطلقوا سراحه” والتحق الشاعر الكبير ميشيل فوكو بالثورة وعشرات المثقفين الفرنسيين … حدث هذا في دولة تمثل رمز النظام الديمقراطي، وتحمل مشعل الثقافة الإنسانية، وضد حكومة لها من الرمزية مالديغول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، والمقاوم العنيد للاحتلال النازي لباريس في الحرب العالمية الثانية … ومع كل هذا التأريخ تنازل الرجل وخضع لإرادة شعبه الذي أقام المتاريس في شوارع باريس واشتبك مع البوليس لأشهر …
في العراق وبعد ١٣ سنة من القتل و الطائفية والجوع والتهجير والانهيار الشامل في بنى الدولة، والفشل الذريع في سياسة الدولة الداخلية والخارجية، لم يرعوي فيها الساسة عن النهب والتسابق في التهام ثروات البلد بغير حساب، وبرغم كل ما تقدم يستكثر هؤلاء على الشعب أن يخرج على كيانهم الهزيل هذا مطالباً بأبسط حقوقه وهي حكومة تكنوقراط تنقذ البلاد من الهاوية التي ألقى بها فيها سقط المتاع من الأحزاب التي جلبتها الصدفة وسوء حظ العراق للسلطة منذ ١٣ سنة مضت …الإعلام الحكومي والإعلام التابع للأحزاب الاسلامية، وجيوش المرتزقة الألكترونية، يصورون للرأي العام أن ما جرى هو انقلاب بعثي ضد السلطة الديمقراطية !كل من يخرج على هذه الدولة البائسة هو بعثي مستباح الدم بنظر حيدر العبادي وحزبه العتيد ورفاق السوء الذين يشتركون معه في العملية السياسية الهزيلة !! إن الحكومة التي تقتل شعبها الأعزل إلا من سلاح الكلمة؛ هي حكومة قمعية  مستبدة، لا تقل استبداداً عن أية دكتاتورية عرفها التأريخ . الدماء التي سفكت في بغداد يوم ٢٠ آيار الماضي ستتحول إلى سيل عارم يجرف كل أساسات الجور والطغيان التي شيد عليها هؤلاء المستبدون دعائم حكمهم الجائر، وحينها لن تنفعهم جيوش المرتزقة ولا الحملات التسقيطية التي تقوم بها صفحات التعبئة الحكومية والقنوات الطائفية، وفي الفيسبوك لغرض الشيطنة وتشويه المنتفضين على المنطقة الخضراء. إن المؤسسات التي يتباكى عليها العبادي والمالكي والحكيم والجبوري، هي ليست مؤسسات دولة، بل هي ضيعات لهم ولعوائلهم ولأحزابهم الفاسدة، وقد سقطت شرعيتها بعد أن ذبح الناس على عتباتها بدون رحمة … الحكومة هي من  فتحت بوابة العنف على مصراعيها، وسيرتد هذا العنف نحوها بعد أن أفلت من عقاله، وزال الخوف.