23 ديسمبر، 2024 1:59 م

سياسيو العرب السنة أين هم من طائفتهم

سياسيو العرب السنة أين هم من طائفتهم

وجدت صعوبة في التعاطي بمفردات هذه السطور مع الطائفية لكونها الأسرع في إيصال الفكرة للناس هذه الأيام، وهناك سبب آخر هو أن هذه المفردات أصبحت تشكل العمود الفقري في الثقافة العراقية المساندة للمظهر السياسي الحالي.
إن النشاط السياسي الذي انفتح منذ عام 2003 قد خرج عن سكته الطويلة الممتدة منذ أوائل العهد السياسي بعد تأسيس الدولة العراقية والتي كانت مظاهرها حركة وطنية قائمة على منابع الفكر السياسي، ولم يكن للتيار الديني مكانة معروفة فيها، وانحدر إلى مهاوي الإسلام السياسي بجناحيه المتطرف والمعتدل، والذي شجعه الغرب والولايات المتحدة الأميركية لأنه يلبي متطلبات الأسطورة الاستعمارية “فرق تسد”.

في العراق تقدمت التكوينات السياسية ذات التوجهات الدينية والطائفية على التيار الليبرالي المدني، لأن صناعة الحكم في العراق قامت على هذه القاعدة. ولم تكن لدى الأحزاب الشيعية مشكلة في البنيات التنظيمية خصوصا حزب الدعوة الذي يشكل العمود الفقري للفكر السياسي الشيعي في العراق. وما عدا زعامتي آل الحكيم والصدر، فإن التشكيلات الأخرى قد ظهرت على أكتاف مرجعية حوزة النجف بأعلامَها المعروفين. ولهذا وخلال السنوات الثماني الماضية من مسيرة العملية السياسية لم يسجل افتراق أو صدام بين الأطراف السياسية داخل البيت الشيعي، لأن “صوت المذهب”- كما تقول اللغة الطائفية- قادر على لم الشتات مهما بدت متباعدة. ولعل تلك الأحزاب والجماعات الشيعية تتحدث في دوائرها الداخلية عن حرص تعبوي بعدم التفريط بسلطة الحكم في العراق، حتى وإن تعرضت واجهته إلى مخاطر تهدد مواقعها بسبب تعقيدات السياسات التنفيذية ومشكلات الأمن والفساد، وانهيار علاقات الشراكة مع من يدعون تمثيلهم للعرب السنة. فهناك اعتقاد راسخ لدى القيادات السياسية الشيعية أنهم لا يسمحون بخروج الحكم عن سلطتهم.

المشكلة الحقيقية هي عند القوى والتشكيلات العربية التي عملت على كسب ولاء العرب السنة. تنظيميا ما كان يقابل حزب الدعوة في الضفة السنية هو الحزب الإسلامي العراقي الذي يشكل أحد الفروع الرئيسية للإخوان المسلمين، وقد واجه مشكلات في علاقته بالجمهور العراقي لجوانب عقائدية أهمها عدم وجود مرجعية مذهبية سنية، حيث يعتقد قادة الإسلام السياسي السني أن الخلافة الإسلامية المنتظرة هي امتداد لسلطة الرسول وسنته. إضافة إلى الصدام المباشر مع هيئات وقيادات سنية مثل “هيئة العلماء المسلمين في العراق” في قضية جوهرية تتعلق بالموقف من الاحتلال العسكري الأميركي وسلطة الحكم. فدخل الحزب الإسلامي في دورة 2005 من الانتخابات بحضور ضعيف وسط فتاوى سياسية بمقاطعتها، أما القائمة العراقية فقد تحقق حضورها العالي في دورة 2010 بسبب دعم الجمهور العربي السني لها، وهذا الأمر سيختلف في الدورة الانتخابية الحالية. إن تفتت القائمة العراقية والتي كان منتظرا منها الكثير لم يتحقق لأسباب فكرية أو سياسية، إنما لأسباب بنيوية ومصلحية، لأنها ليست تنظيما متماسكا. ولو توفرت الفرصة لحركة الوفاق بزعامة إياد علاوي للدخول في العملية الانتخابية دون تلك الأسماء التي كونت بريقها من القائمة العراقية ثم انقلبت عليها، لكانت الأمور مختلفة.

كانت الساحة السياسية العراقية ومازالت في حاجة إلى قوى توازن ما بين الليبرالي والإسلامي الشيعي والسني. أما اليوم وبعدما حصل من تفتيت للعمود الفقري للقائمة العراقية تراجع ركن مهم منها إلى أصوله الطائفية “متحدون” وغاب الحزب الإسلامي تحت ظلالها يتبرأ حينا مما يحصل ويندمج حينا آخر وسط تفكك بعض الزعامات، لتتحول القضية الانتخابية إلى “بزنس سياسي”.

لقد وقع العرب السنة ضحايا أوهام طائفية وافتراءات تاريخية. لقد ألصق الإرهاب بدينهم ومذهبهم مع أنهم ضحاياه في عراق الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وجزء من بغداد. واستخدموا منذ بداية أشواط الانتخابات من قبل قيادات سياسية ادعت تمثيلهم كورقة وصولية. ويبدو أن أزمة “الأنبار” التي أصبحت رافعة لصراع سياسي في اللعبة الانتخابية، تحولت إلى قوة ردع حقيقية لمنع وصول تلك القيادات السنية إلى تجديد مواقعها مرة أخرى، بسبب الإحباط لدى أهل الأنبار وباقي المحافظات الغربية، خصوصا بعد ظهور مراكز قوى حقيقية على الأرض هي “المجلس العسكري لثوار الأنبار” والذي ليس له علاقة بداعش.

إن المجلس العسكري بدأ يشكل قوة توازن داخل الأنبار وخارجها، مما أعار اهتمام رئيس الحكومة. ولكن القيادات التقليدية “السنية” تسعى إلى التقليل من أهمية هذا الأمر، والادعاء بأنها صاحبة الورقة في لعبة “العرب السنة”.

إن طي صفحة “ورقة داعش” في الأنبار سيؤدي إلى التساؤل عن الورقة المضمومة وأصحابها الفاعلين على الأرض، وهو أحد الأسباب التي تجعل من أصحاب المصالح يسعون إلى بقائها مشتعلة. ولا يعرف إن كان للمجلس العسكري في الأنبار وجوه سياسية ستدخل الانتخابات، مع أن عمليات “التزوير” ستلعب دورها في انتخابات المناطق العربية السنية، لتعيد القوى التي تدعي تمثيلها للعرب السنة نفسها في دورة جديدة.

على الكتل التي تعتقد وتروّج أنها تمثل العرب السنة أن تبحث لها عن وسائل أخرى لأن الجمهور العربي السني لن يعطي صوته لها. ولن تجدي نفعا لعبة “البوكر السياسي” التي يمارسونها في الانتشار وتشتيت أو إيهام الخصم بأسرار القوة السياسية المزعومة، ثم الالتئام، لأن الجميع فاشلون أمام الجماهير. وأعتقد أن العرب السنة سيعطون أصواتهم لوجوه جديدة لها ميراثها في النزاهة، إذا ما استطاعت تلك الوجوه الخروج من هيمنة الحيتان الكبيرة، وتمسكت ببرنامج شعبي صادق.