23 ديسمبر، 2024 3:49 م

هناك مثل أمريكي قديم كان يمثل انعكاسا لطبيعة المعادلة التي خرجت من رحمها  الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من خمسة قرون .. وهو (أعطني حظا وارمني في البحر ) .. ومن هذا الموروث الاجتماعي استوحى لنا الأمريكان طبيعة وشكل منظومتنا السياسية بعد التاسع من نيسان 2003 القائمة على الحظ والصدفة في اختيار وزراء حكوماتنا ووكلائهم والمدراء العامين .. فأنتجت أمريكا بذلك سابقة جديدة وخطيرة في إدارتها للعراق بعد الاحتلال ،جعلت العراق مؤهلا لدخول كتاب غنيس للأرقام القياسية ، بأنه الدولة الوحيدة التي أفتت بجواز دخول عاملي الحظ والصدفة كعامل أساسي في اختيار  حكامه .

بحيث أصبح الكثيرين هنا ينامون وهم مواطنون عاديون لا يعبئ بهم احد ، ويستيقظون صباحا ليجدوا انفسهم وقد أصبحوا وزراء ومسؤولين كبار ..على الرغم من ان الكثيرين منهم لم يمارسوا الحياة الوظيفية ولو للحظة في حياتهم ويجهلون أبجديات الإدارة والعمل الوظيفي ،حتى ان البعض منهم يعجزون عن فك رموز هامش على مذكرة تقدم لهم .

أنها صدفة برايمر ومحاصصته ، والحظ الأمريكي الزاحف مع دبابات الابرامز وصواريخ التوما هوك التي نالت من هذه الأرض التي علمت البشرية القراءة والكتابة محط رحال العلماء والأدباء والمفكرين ، شاءت الإرادة الأمريكية الغاشمة أن تجعلها ارض الحظ والصدفة ،ومرتع للإرهاب والفاشلين والمقامرين والسراق ، لينهبوا خيراته بلا رادع ولا واعز أخلاقي او ديني ،وتحرم الأغلبية من شعبه التي تفتقد إلى حظوظ هؤلاء .

يحكى ان وزيرا ممن صنعتهم الصدفة والمحاصصة الاثنية والطائفية والحزبية ،مكث في وزارته لعام كامل مجاورا لمستشفى كبير تابع لوزارته وضمن هيكليتها ، مستشفى بأسرة وردهات ومختبرات وأشعة وسيارات إسعاف .. وكادر طبي وتمريضي ، المفارقة الغريبة انه لعام كامل كان هذا الوزير يجهل ولا يعلم ان وزارته تحتوي على هذا المستشفى الذي يبعد أمتار قليلة عن مكتبه ،وحين اخبر عنه قال (هل هو لعلاج الإمراض التي تصيب النباتات ) هكذا هم حكام الصدفة .. الفساد الإداري والمالي القائم الآن في مؤسسات الدولة العراقية ، جزء منه ناتج من هذا الجهل ، جهل المسؤولين وأصحاب القرار بكل ما يحيط بهم ، وعزلتهم القسرية التي فرضوها هم على أنفسهم مع محيط عملهم وحيز قراراتهم .. مثل هذا الوزير يوجد الكثيرين على امتداد الاثنا عشر سنة الماضية ، وسيأتي غيره الكثيرون ما بقيت الصدفة هي محرك البحث عن قادة العراق الجديد .