في عضون اسبوعين فتح رئيس الوزراء حيدر العبادي جسرين ملغّمين كانا مصدر قلق ومخاشنات وتهديد داخلي وخارجي على حد سواء، في حين أغارت عليه اصوات معارضة وبعضها امتهن واجب تسفيه اية اجراءات او خطوات يتخذها مهما كانت اهميتها ودواعيها، بل وحتى قبل ان تأخذ طريقها الى الاعلام.
الجسر الاول الملغّم الذي فتحه العبادي كان يربط العراق بالسعودية حيث بادر خلال حضوره مؤتمر «ميونخ» الشهر الماضي، وفي لقاء له مع الوزير الجبير الى تحريك فكرة الحوار المباشر مع الرياض حول «شكاوى ومخاوف متبادلة» والبحث عن مسار آخر للعلاقات يقوم على اساس «الاعتراف بالخصوصيات» والشراكة الامنية والافتصادية الاقليمية والتزام حسن الجوار، ولم يكن اكثر المتفائلين يعتقدون بأن العلاقات بين البلدين دخلت مرحلة المعافاة وان الثقة وروح الشراكة حلتا محل التوتر والريب الى غير رجعة، لكن هذه المرحلة من المحال الوصول اليها من دون الخطوة الاولى التي تتمثل بفتح الجسر الملغم الذي ازدحم بكل انواع العوائق والتهديدات، كما ان إدارة العبادي للملفات المتفجرة اتسمت طوال الازمة مع السعودية وغيرها بالانضباط والنصح وابداء المرونة الامر الذي اثار عليه عاصفة من الانتقادات تصدرها نواب واعلاميون من معسكر «دولة القانون» ضمن حسابات ليست خافية على المراقبين، وليس هنا مجال البحث فيها.
الجسر الثاني الملغم الذي فتحه العبادي يتجه الى السليمانية وقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني حيث فرضت «بيشمركة» الحزب سيطرتها على منشآت نفط الشمال في كركوك واوقفت التصدير ثم اعلنت شروطاً للتسوية مع الحكومة وسط ضجة سياسية في بغداد تدعو للتجييش واستعمال القوة، وكل ذلك مسبوق بمناقلات متلاحقة في مواقف الاحزاب الكردستانية من الصراع السياسي في بغداد بما يوحي الى وجود اعمال تنسيق وتقارب بين حزب الاتحاد الوطني ودولة القانون (المالكي) من جهة، وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة (العبادي) من جهة اخرى، وهو الذي اعطى لزيارة رئيس الوزراء الى السليمانية في الاول من آذار الماضي موصوف الاختراق لجهة السياسة الواقعية المتوازنة التي تمخضت عن استئناف ضخ نفط كركوك الى تركيا في نهاية الامر.
واذا ما انكفأت سياسة فتح الجسور الملغمة، فانه، في حسابات السياسة، لا يُلقى اللوم على الارادة التي وضعت المبدأ في سياقه السليم، بل على كيمياء صراع القوى حيث يستعمل «الخصوم» وحدات دفع اضافية لنسف الجسور الملغمة بدل فتحها.
*********
جين شارب- من الدكتاتورية الى الديمقراطية
«وضع الثقة في أساليب العنف إنما يعني استعمال أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائماً بالتفوق فيه «.
نقلا عن الصباح الجديد