23 نوفمبر، 2024 12:39 ص
Search
Close this search box.

سياسة ترامب تجاه إيران

سياسة ترامب تجاه إيران

(هذه المقالة: ليست مقالة رأي.. بل هي خطوط عامة ومؤشرات مستندة على وثائق وتوجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والقادة الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين).

(عملية صنع القرار الخارجي) :
ـ ابتداءً نقول : اتخاذ قرارات السياسة الخارجية تمثل عملية معقدة.. ونتاج تفاعل أربعة أطراف أمريكية.. هي: وول ستريت (شارع المال والمصارف).. ودائرة المخابرات المركزية.. ووزارتي الدفاع والخارجية.
ـ لن يمر قرار هذه الحكومة المصغرة إلا عبر (مجلس الأمن القومي) في مرحلته الثانية في صنع القرار السياسي الخارجي الأمريكي.. يتكون هذا المجلس من مجموعة الأفراد القياديين الذين يشكلون عصب السياسة الخارجية الأمريكية.. ويتكون من الرئيس الأمريكي رئيساً.. وعضوية كل من : نائب الرئيس.. ووزير الخارجية.. ووزير الدفاع.. ورئيس هيئة الأركان المشتركة.. ومدير المخابرات المركزية.. وعدد من المستشارين الآخرين من اختيار الرئيس: مثل: مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي.. ومستشار الرئيس للسياسة الخارجية.. ونائب وزير الخارجية.. ورئيس هيئة موظفي البيت الأبيض.. وسكرتير هيئة موظفي البيت الأبيض.
ـ القرار النهائي الخارجي يختاره الرئيس الأمريكي وأجهزته من بين عدة خيارات تقدم إليه في المرحلة النهائية من عملية معقدةٍ تتشكل في ثناياها السياسة الأمريكية.. إذ تساهم مجالسُ مهمةٌ في تخطيط السياسة الأمريكية.. مثل: مجلس العلاقات الخارجية.. ومؤسسة بروكنجز للأبحاث.. ولجنة التنمية الاقتصادية.. ومؤسسة راند للأبحاث.. ومعهد هيدسون للأبحاث.. وأدوات المخابرات المركزية.. ودوائر مكتب التحقيقات الفيدرالي.. وتضم تلك المجالسُ شخصياتٍ في قمة السلطة تمثل: الحكومة.. والشركات الكبرى والمؤسسات الصناعية متعددة الأنشطة.. والبنوك.. والمؤسسات الصحفية.. ورجال القانون.. والشخصيات الإعلامية التي تعد الرأي العام داخل وخارج الولايات المتحدة لإحداث التغيير المطلوب.
ـ مرحلة الترويج والتشريع : حيث تأخذ اللجان الخاصة التي يشكلها الرئيس لتقدِّم دعمًا إضافيًّا في تقرير ما انتهتْ إليه معاهدُ الأبحاث ومجموعات التخطيط.. لتبدأ عملية الطرح على الشارع الأمريكي في شكل عينات من المجتمع.. ثم تظهر تلك المخططات في شكلها التشريعي على هيئة قوانين ولوائحَ.. تتضح معها مظاهرُ التعددية السياسية الذي تتباهى بها نظريةُ السياسة الأمريكية.
مما تقدم فان الرئيس الأميركي والأجهزة التي تساعده في اتخاذ القرار هو صاحب القرار النهائي.. وكل المؤسسات الأخرى تضع أمامه خيارات توضح فيه السلبيات والايجابيات لكل خيار.

وزيرا الخارجية والدفاع يعززان سياسة الخارجية:
ـ يعزز إستراتيجية ترامب تجاه إيران:
1ـ اختيار ترامب مايك بومبيو / وزيراً للخارجية.. وكمدير لوكالة الاستخبارات المركزية سابق، شق بومبيو طريقه للدائرة المقربة من ترامب.. حيث نقل بنفسه الكثير من الموجزات الإستخباراتية اليومية للمكتب البيضاوي.
ـ يشارك بومبيو ترامب في موقفه المتشدد ضد إيران وكوريا الشمالية.
2ـ تعين ترامب لمارك أسبر وزيرا للدفاع.. وهو مستشارا للأمن القومي.. ومتخصصا في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.. كما يرتبط بعلاقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي ومؤيد لقراراته.. من بينها نشر القوات الأميركية على الحدود مع المكسيك.. وسياسته تجاه إيران
وبهذا ضمن ترامب قوة رأيه وقراره الخارجي بلا كلمة (لا) من قبل هذين الوزيرين.

(إستراتيجية ترامب تجاه إيران.. الدوافع والاتجاهات):
تصاعدت في الشهور الأخيرة حدة التوتر بين الإدارة الأمريكية الجديدة وإيران حول الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، ووصل إلى ذروته برفض الرئيس الأمريكي (ترامب) المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني، وتبني إستراتيجية أمريكية أكثر عدائية تجاه إيران، وخلال إعلانه لإستراتيجيته الجديدة وصف الرئيس الأمريكي إيران بأنها “نظام متطرف”، واتهمها بأنها “أكبر دولة راعية للإرهاب”، ورفض الإقرار بالاتفاق النووي الذي وُقع عام 2015 في عهد الرئيس أوباما، وقال إنه سيحيل الأمر إلى الكونجرس، ويستشير حلفاء الولايات المتحدة في كيفية تعديله، وشدد على أنه سيغلق “جميع الطرق على طهران للحصول على السلاح النووي”، وأن الولايات المتحدة تحتفظ لنفسها بحق الانسحاب من الاتفاق في أي وقت.
وقد أثار الموقف الأمريكي ردود فعل إقليمية ودولية واسعة، وهو ما يستدعي معرفة الأسباب التي أدت إلى توتر العلاقات بين أمريكا وإيران، وطبيعة التداعيات التي سيتركها رفض الرئيس الأمريكي التصديق على اتفاق البرنامج النووي الإيراني على مستقبل هذا البرنامج، وعلى الوضع في المنطقة بشكل عام.

أسباب التوتر:
تقف جملة من الأسباب خلف توتر العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، والتصعيد الإعلامي للأخيرة تجاه الأولى في الآونة الأخيرة، وهي أسباب تدور حول القضايا الثلاث الآتية:

أولاً: اتفاق الملف النووي:
وهو الاتفاق الذي استمر التفاوض حوله قرابة 13 عاماً وفق صيغة (5+ 1) التي تضم كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا من جهة، وإيران من جهة أخرى.. والذي وُقِّع في يوليو/تموز 2015، ودخل حيز التنفيذ في 15كانون الثاني/ يناير 2016.. واتسمت هذه المرحلة بتحسنٍ في علاقات إيران مع عدد من الدول.. وتراجعها مع دول أخرى.. وقد كان هذا الاتفاق من ضمن مجموعة من السياسات الأخرى التي أُقرَّت في عهد الرئيس الأمريكي أوباما.. والتي نالها هجوم كبير من قبل ترامب؛ إذ وعد في أثناء حملته الانتخابية بتمزيق هذا الاتفاق وظل يهاجمه بعد توليه الرئاسة.. متهماً إياه بأنه منح إيران مكاسب كبيرة دون أن يلجم رغبتها في امتلاك السلاح النووي.. وأن الاتفاق فيه تساهل كبير، سمح لإيران بتجاوز كميات الماء الثقيل المحددة، وأن طهران تخوف المفتشين الدوليين من الوصول إلى أماكن سرية.

ثانياً: منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية:
رغم التحذيرات الأمريكية استمرت طهران في الإعلان المتكرر عن إجراء تجارب صاروخية لاختبار التطوير المستمر لمنظومتها الصاروخية، كان آخرها الإعلان عن صاروخها الجديد (خرمشهر).. أواخر أيلول / سبتمبر 2017.. الذي يمثل أحدث نموذج بالمنظومة الصاروخية الباليستية الإيرانية.. وباتت قادرة على استهداف القطع العسكرية الأمريكية في مياه الخليج العربي، وفي القواعد العسكرية الأمريكية الواقعة بالقرب من ذلك.. والأهم أنه صار بمقدورها الوصول إلى (إسرائيل).. وما يُمثله ذلك من تهديد جدي لأمنها.. وهذا الأخير يُعد أهم ثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة.. وربما ثبتها الرئيس.. وخاصة في عهد ترامب.. الذي أظهر حماساً كبيراً في الالتزام بحماية أمن (إسرائيل).. سواء في أثناء حملته الانتخابية أو بعد وصوله إلى السلطة.

ثالثاً: دور إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة:
تؤكد الولايات المتحدة.. والدوائر الإستخباراتية الأمريكية.. والرئيس ترامب بشكل خاص.. بأن لإيران بات حضور وتأثير في عدد من القضايا الملتهبة في المنطقة.. من خلال القوى التابعة لها.. والتي تمثل امتداداً فكرياً وسياسياً.. وفي بعض الأحيان عسكرياً.. لها.. كما هو الحال مع حزب الله في لبنان.. وجماعة الحوثيين في اليمن.. وجماعات شيعية في العراق والبحرين والكويت والسعودية.. وصار بمقدور طهران توظيف تلك الجماعات لزعزعة الاستقرار في تلك الدول.. فضلاً عن المشاركة العسكرية المباشرة والواسعة لقوات الحرس الثوري الإيرانية في كل من العراق وسوريا.. ومن ثم باتت سياسات إيران من العوامل الرئيسة التي تسهم في خلق وتغذية الاضطرابات.. وإثارة الصراعات في المنطقة.. بل وتهديد السلم والأمن في المنطقة والعالم.. من خلال تهديدها للملاحة الدولية في ممرات مائية دولية شديدة الأهمية.. كما هو الحال مع مضيق باب المندب ومضيق هرمز.
وبخلاف السببين السابقين فإن هذا السبب الأخير (دور إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة) لا يعتقد أنه سبب حقيقي في تحريك إدارة الرئيس ترامب تجاه طهران.. فالسياستان الأمريكية والإيرانية كثيراً ما تكاملتا حيال بؤر الصراع في المنطقة.. وإن اتهام الرئيس الأمريكي لإيران بأنها تزرع “الموت والدمار والفوضى”.. يأتي في سياق حشد الأدلة لإدانة السياسة الإيرانية ودفع الأطراف الإقليمية.. وخصوصاً الدول العربية.. للاصطفاف خلف (واشنطن) في مواجهة إيران.

(إستراتيجية ترامب لمواجهة التهديدات الإيرانية):
بعد شهور من التسخين خرج الرئيس الأمريكي.. دونالد ترامب.. في خطاب خصصه للعلاقة بإيران، بدءاً بالاتفاق النووي.. ومروراً بالسياسات الإيرانية “العدوانية” في المنطقة.. وصولاً إلى طبيعة نظامها الدكتاتوري.. وحالة حقوق الإنسان في إيران.. وشدد خلال حديثه عن أنه لن يصدق على الاتفاق النووي.. وقال إن على الكونجرس دراسته خلال ستين يوماً.. والنظر في كونه سيعيد فرض عقوبات على طهران أولا.. تم اتخذ عشرات العقوبات ضد إيران وبعض المسؤولين والشركات والمصارف الإيرانية.. وقرارات أخرى ضد المليشيات والشخصيات (عراقية ولبنانية).. يعتبرها جزءا من إيران أو داعمة لها.. مطالباً الكونجرس الأمريكي اتخاذ موقف واضح تجاه إيران.

يمكن تقسيم إستراتيجية ترامب التي أعلنها ضد إيران إلى ثلاث خطوات أساسية:
– منع إيران من الحصول على السلاح النووي.. وعدم التصديق على الاتفاق النووي ما لم تضاف إليه بنود جديدة.. منها حظر التصنيع الصاروخي.. لاسيما طويلة المدى أو تلك القادرة على حمل رؤوس نووية.
– فرض عقوبات مشددة على الحرس الثوري الإيراني.. (الذي أدرج مؤخراً ضمن قائمة العقوبات الأمريكية).. والتصدي لأنشطته التي تنهب ثروة الشعب الإيراني.. وفق بيان البيت الأبيض.. وحشد المجتمع الدولي لإدانة “الانتهاكات الصارخة” للحرس الثوري لحقوق الإنسان.. و”الاعتقال غير العادل” لمواطنين أمريكيين وأجانب وفقاً لاتهامات باطلة.. التضييق على أذرع إيران العسكرية خارج حدودها.. أهمها حزب الله اللبناني.. وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية.. مكافأة مالية تصل إلى اثني عشرَ مِليون دولارٍ لمن يساعد في اعتقال اثنين من أبرز قيادات الحزب: الأول طلال حمية.. الذي يشاع أنه رئيس ما يعرف بـ(وحدة العمليات الخارجية للحزب).. والثاني فؤاد شُكر.. المعروف باسم (الحاج محسن).. وهو عضو فيما يسمى (المجلس الجهادي) للحزب.. داعيةً دول العالم إلى “الانضمام إليها في معاقبة ومنع نشاطات الحزب”.. وفي مؤتمر صحفي لمسؤول بالوزارة.. قالت الخارجية الأمريكية إنها “رصدت نشاطاً متواصلاً لصالح حزب الله اللبناني في الولايات المتحدة الأمريكية”.
– التضييق على أذرع إيران العسكرية خارج حدودها.. أهمها: اذرع إيران في العراق.. وحزب الله اللبناني.. والحوثيين.. وعناصر أخرى في سورية والبحرين التي اعتبرتها أمريكا أخيراً.. قوات إرهابية.

(حرب أم تفاوض):
ـ أعلنت إيران مرراً (لا للحرب.. وتمسكها باتفاق البرنامج النووي) ومتمسكة بهذا الموقف..
لكن مسيرة العلاقات الأوربية الإيرانية تؤكد غير ذلك فقد سبق إن تراجعت إيران وتفاوضت مع الدول الأوربية ووقع الاتفاق الحالي معها.. ودخلت أمريكا ضمن الاتفاق.
ـ فيما أعلن ترامب (لا حرب.. بل تفاوض لتعديل هذا الاتفاق.. وتوقيع اتفاق حول منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية).
ـ إلا إن ترامب أضاف لها: (إضافة العقوبات الاقتصادية.. و مازال الخيار العسكرية قائماً).

(حالة حرب .. أم لا حرب):

1ـ الموقف الأمريكي:
ـ موقف ترامب الداخلي والانتخابي لن يتأثر بموقف تجاه إيران.. فالاقتصاد الأمريكي .. قوي .. وهذا ما يهم الناخب الأمريكي.. أما السياسية الخارجية فتأتي في آخر اهتمامات الناخب الأمريكي.. لهذا نجد ترامب يؤكد على (اللا حرب.. بل المفاوضات.. وتشديد العقوبات) إلا انه أضافة اليها (مازال الخيار العسكري قائماً).. بعد إسقاط إيران طائرة أمريكية مسيرة.. لذا لا نتوقع قيام حرب في الفترة الحالية.

2ـ الموقف الإيراني:
ـ لا تعديل للاتفاق.. ولا اتفاق على منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية.. إلا أن ذلك قد لا يكون ثابتاً.. في ضوء التجارب السابقة.
ـ الحصار ليس جديداً.. وإيران لن تستمر في الالتزام في الاتفاق النووي إن لم تتحرك أوربا لإيقاف ترامب عن حربه الاقتصادي ضد الشعب الإيراني.. ودول الخليج وبعض الدول العربية تنفخ في الرماد لتشتعل الحرب.

3ـ الموقف الدولي.. موقف شبه المتفرج.. ولا تحرك لمجلس الأمن الدولي..

4ـ الموقف العربي.. والجامعة ضد إيران بكل الحسابات.

5ـ الموقف العراقي: لا موقف عراقي جدي.. فالمؤسسات الحكومية غير قادرة لتوفير الأمن والاستقرار للبلد.. وتأمين وضع معاشي للمواطن.. ولا تستطيع أصلا إيقاف شجار بين عشيرتين.
كما إن العراق سيكون في كل الحسابات ساحة الحرب الأساسية فيما لو اندلعت الحرب بين ايران وأمريكا.. إن لم تكن شرارة الحرب تنطلق من الساحة العراقية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات