23 ديسمبر، 2024 1:19 ص

سياسة الثأر وروح الانتقام

سياسة الثأر وروح الانتقام

سياط الألم وقساوة الجلاد وروح الانتقام والثأر المتأصلة في أعماق النفس المريضة الموروثة من الحرمان والمهانة , تأبى مغادرتها بعد ان تسلطت وذاقة طعام لذتها بقوة السلاح والغدر والاغتيال والخطف والمساومة , سلوك جبلُوا عليه منذ زمن لمعاقبة هذا الشعب و شل أي محاولة للتفكير للخروج من هذا الواقع أو إيجاد متنفس واجتراح طريق للإصلاح وترميم وبناء واعادة هيكل لوطن هدمته معاول الانتقام ونخرت فيه براثن الحقد وعبثت به مخالب الغدر , اليأس هو الهاجس ,والخوف ديدن التفكير, والهروب من زنازين قيود الحرية ودهاليز النسيان وثقل السلاسل , والعمل الجاد على الغاء الإرادة , وموت الرغبة . حقائق واقع خلفت انكفاء وترقب واعدمت روح المواطنة التي هي بالأساس ماتت منذ زمن الشمولية , وسيطرة العائلة , عقوبة جماعية مبرمجة ومدروسة لشعب لا يستحق على ذنب لم يقترفه وجريمة لم يرتكبها , شعبنا نفتخر به ونتباهى بإنجازاته ونتشرف بالانتماء له , شواهدنا له ماثلة للعيان في ازقة وشوارع واسواق المدن , صور ويافطات رثاء لشهداء ومعاقين وجرحى نذروا أنسفهم للبلد وسطروا ملاحم عز وفخر لأجيالنا القادمة و مقابر جماعية لازالت رفاتها مجهولة الهوية و جيوش خلفتها من الايتام والارامل والثكالى حروب الدفاع والتحرير عن مقدسات الوطن وترابه الطاهر وكما يقول الشاعر في ملحمة عاشوراء الشرف والعز والكرامة :

قــوم اذا نــــودوا لدفــع ملمَّــةٍ – والخيـل بيــن مدعّس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا – يتهـافتــون على ذهاب الأنفــس

بهذه الروح والاندفاع والتضحية كانت مآثرهم ماثلة امام الاعين يصولون بها ضد داعش والقاعدة وجيش النصرة واعداء العراق حفاظا عليه وسلامة ترابه ومقدساته , فمن غير المعقول ان يساق شعبه تحت محرقة الشمس بسياط الاذى ولكمات القوة وركلات الاقدام ورفع الايدي وخناجر الظهر ورصاصات القتل , انتقاما وثأرا على أي شيء ؟؟لانعرف سوى انه تحمل أذى ولبس الذل وعاش العوز وسكن بيوت الصفيح وقريبا من النفايات وباع الخردة ليشتري رغيف الخبز بعرق جبينه الطاهر لسنوات عجاف على أمل المنقذ والوطني والشريف الذي يمد له يد العون وينتشله من واقعه الاسود , ليتفاجأ بعدوا اشرس وذل مقصود يذيقه السم الرعاف يوميا على شكل جرعات تراوحت بين الحروب والطائفية والتهجير والعشوائيات والنازحين والمغيبين والمهمشين , برغم ثروات البلد المباحة وتسيُد الرذيلة وتسلط السارق على مقدراته , ناهيك عن اصوات النشاز اليومية من على شاشات فضائيات العهر والجريمة وبث السموم والاشاعات ودعات الاصلاح ومحاربة الفساد والتشهير والتقسيط , صوت غير مسموع وثرثرة لا تجدي , صيف قائظ وشمس محرقه ولهيب لا يحتمل كسابقاته من سنوات العهر والوعود الكاذبة وملايين الدولارات المهدورة عبثا تلفح وجوه العراقيين بلا هوادة أو رحمه , ولإماء نلهث له لنطفئ هذا العذاب , الموت الزؤام الذي يعانيه الشعب لسنوات خلت قضية سياسية مقصودة وانتقام ثأر وموت بطئ , يقف الانسان مشدوها امام هذا التوقيت العجيب الذي ترافق معا بين انعدام الماء وانطفاء الكهرباء ليشكل ثنائيا مدمرا لنفسية الانسان وادميته , بالوقت الذي بدأت خطوات العمل الجاد في محاربة الفساد وتحجيم ضرره والسيطرة على المنافذ الحدودية وانقاذها من براثن القوى المهيمنة ومراجعة عقود الوزارات والتدقيق بملفات الفساد , شرعت القوى المسيطرة على الساحة العراقية بخلق أزمات الماء والكهرباء لتكون عقبة ومطب امام أي اجراء او مشروع يمس مصالحهم والتقرب من دوائر تأثيرهم , امام هذا المنعطف الخطير والعقبة الكبيرة وخلق الازمات، يكون المسؤول أو لا يكون فالإرادة تخلق المستحيل وتصنع صفحات مجد في تاريخ المتصدي لخدمة الشعب والوطن , الثورة ضرورية لتعرية مثل هؤلاء لانهم مشكلة كبيرة امام أي تطور واصلاح وبناء يعيد العراق لوضعه الطبيعي مؤثر دوليا ولاعبا مهما في السياسة الدولية والاقليمية , بقاؤهم وتأثيرهم مرهون بمصالحهم التي اكتسبوها طوال السنوات العجاف من السحت الحرام . بالرغم من ان الشعب منقسم ولاكلمة موحده تجمعه الا انه متبرم من وضعه المأساوي الذي يعيشه يوميا المسؤولية تحتم على الجميع التضحية, تبقى المسألة محصورة بشجاعة القائد ودائرة داعميه بقرارات من شأنها ان تصيب الكبد بالصميم لنستشرف المستقبل ونرى ضوء الحقيقة ونجلي غيوم الظلمة من عراق نتطلع فيه لحياة هادئة ووطن مستقر على الاقل كما يعيش الاخرون .