لايحتاج النظام السياسي في العراق إلى مؤامرة خارجية للإطاحة به، فهو في الأصل متآمر على نفسه.
ومع إقتراب موسم الإنتخابات البرلمانية في نهاية عام 2025 والتي قد تتقدم عن موعدها في مشروع تظن النُخب الحاكمة أنه سيكون المنقذ لسلطتها عن طريق الإنتخابات المبكرة بعد أن وصلت خواتيم الأمور إلى طريق مسدود وهو ما يتم نقاشه في دهاليز السياسة القابعة في المنطقة الخضراء.
لم يكد الإطار التنسيقي يعبر “هزة” سرقة القرن التي كشفت عورة النظام السياسي وتغلغل الفساد في مفاصله حتى ظهرت “كارثة” أخرى عنوانها “شبكة جوحي” وتتلخص في إكتشاف خلية للتجسس والتنصت في مكتب رئيس الوزراء على هواتف زعامات وشخصيات سياسية وبرلمانيين وحتى مرجعيات دينية، مما زاد في التوتر السياسي بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والإطار التنسيقي الذي إنتفض بعض قادته يتقدمهم نوري المالكي وقيس الخزعلي أمين عام عصائب أهل الحق، والشروط “التعجيزية” التي فُرضت على السوداني مقابل عدم إجبار الحكومة على تقديم إستقالتها مبكراً حسب ما تداولته بعض المصادر، كان من بين تلك الشروط رفع يد السوداني عن جهاز المخابرات وتسليمه إلى الإطار وإعادة هيكلة مكتب رئيس الوزراء، والتعهد بعدم المشاركة في الإنتخابات القادمة أو الدخول بقائمة موحدة مع الإطار التنسيقي دون التفرد بقائمة واحدة، وهو مطلب نوري المالكي الذي كان يؤيد إستقالة السوداني قبل أشهر من موعد إجراء الإنتخابات في حالة دخوله السباق الإنتخابي لكي لا تُستغل موارد الدولة من قبل المرشحين حسب زعمه، مما يؤكد حقيقة مؤكدة إن حلم الولاية الثانية أصبح من الماضي بعد كل تلك الهزات السياسية وإن طموح السوداني السياسي قد يصطدم بجدار ممانعة “الإطار التنسيقي” بعدم التجديد أو تكرار التجربة له.
وفي خضم هذا الإضطراب جاءت صرخة حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة لتُشعل صراعاً بين النزاهة والقضاء الذي طالب بإحالة رئيس هيئة النزاهة إلى التحقيق بتهم تلقي رشى وتلاعب بعائدية أراضي في العراق، وهو ماقد يطيح برئيس النزاهة بعد أن أصبح ورقة محترقة تؤكد إن الفساد تغلغل خلف الجدران والأبواب المغلقة وتحول إلى وحش أسطوري يغرز أنيابه في جسد الدولة.
في ظل هذا التوتر السياسي تصاعدت الأصوات لتدخّل حكومي صارم يكبح جماح الفساد قبل أن يصل تاثيره وفضائحه إلى منظمات دولية وأممية قد تجدها فرصة لمراجعة قراراتها بشأن الوصاية على العراق.
وقبل أن تصل الأمور إلى مرحلة “كسر العظم” وإنهيار العملية السياسية كان لابد للفاعل الرئيسي والحامي لرموز النظام السياسي ونقصد به إيران أن تتدخل لحماية مصالحها أولاً في العراق، لذلك حاولت طهران إرسال رسائل سياسية لتهدئة الأجواء في فضيحة التجسس والإبتزاز وتطويق الأزمة خصوصاً وإنها تُدرك إن واشنطن ستحاول أن تُعيد وضعها وعلاقتها مع الحكومة العراقية في قضية تبادل المعلومات الإستخبارية بعد أن وجدت إن الإتهامات طالت أجهزة أمنية، حيث تؤكد مصادر أن القوات الأمريكية المتمركزة داخل قاعدة عين الأسد حجبت خدمة الـ GPS عن الطيران العراقي وعطّلت أجهزة الرصد في مناطق مختلفة من صحراء الأنبار الغربية وألزمت القيادات الأمنية العراقية بإشعارها قبيل تنفيذ أي ضربة جوية تستهدف تحركات تنظيم داعش في المناطق الغربية حسب تلك المصادر.
ربما كانت من بين الملفات التي حملها الرئيس الإيراني بزشكيان إلى بغداد هو محاولة التهدئة والضغط على الأطراف السياسية لتطويق الأزمة وعدم إستفحالها.
في نهاية هذا الممر الطويل سيكون أمام العملية السياسية في العراق طريقان لا ثالث لهما، وهو أما إجراء إنتخابات مبكرة لإنهاء هذا الإنسداد السياسي أو ثورة عارمة قد تكون أشد من أحداث ثورة تشرين 2019 تطيح بأركان المعبد، وهو ما تقرره الأيام القادمة لهذا البلد.