سئل أعرابي يوما: كيف أنت في دينك؟ أجاب: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.
أرى أن هذا ديدن ساستنا من رؤساء الكتل وزعماء الأحزاب، بمسيرة المليون ميل في العملية السياسية، والتي لاأدري متى يستقرون على قرار سليم، ويضعون أقدامهم في المكان الصحيح لتبدأ منه الخطوة الأولى بالاتجاه الصائب فيها، وعلى مايبدو ان إثني عشر عاما غير كافية لتصويب الخطى وتوحيد الرؤى، حيث بات مانراه من تقدم في المسيرة بضع خطوات يفرحنا تحقيقها، يعقبه حتما تقهقر فيها وفي اتجاهها أضعافا مضاعفة، حتى صار مؤكدا ان القائمين على أمر البلد يعملون بالضد من مصلحته، إذ أن ما يتفتق من رحم ساستنا من خروقات بحق الوطنية والمهنية فضلا عن الإنسانية والأخلاقية، بلغ حدا يصعب معه التصحيح والتصليح، وما يقابله من حلول خجولة لاتكاد تصيب من عين النجاح ومرمى الفلاح إلا بقدر مايصيب الرامي حجرا في الظلام. ولعلي أصيب إن شبهت حال ساستنا في المشاكل وحلولها بمثلنا الدارج: (الشگ چبير والرگعة صغيرة) والأمثلة في هذا كثيرة لايحتويها عمود او صفحة او عدد من صحفنا.
ويبدو ان مثلنا القائل؛ (الإيده بالثلج مومثل الإيده بالنار) ينطبق تماما على مايحدث في الهوة الكبيرة التي تفصل بين قبب مجالس البلد الثلاث، وبين المواطن المسكين الذي وضع يد الانتظار على خد الصبر وراح يصيح:
لأقعدن على الطريق وأشتكي
وأقول مظلوم وأنت ظلمتني
أذكر حكاية ليس لها من الواقع شيء لكن لها من المعاني الكثير، إذ جاء في أحد الأيام رجل كان يملك حصانا الى طبيب بيطري حيث كان الحصان مريضا، فقال الطبيب البيطري لصاحب الحصان: إذا لم يتعافَ الحصان في ثلاثة أيام، نقتله. فذهب خروف كان قد سمع الحوار الدائر بينهما وقال للحصان انهض! لكن الحصان كان متعبا جدا… وفي اليوم الثاني قال له انهض بسرعة، لكن الحصان لم يقدر أبدا… ولما كان اليوم الثالث قال الخروف للحصان: إنهض وإلا سيقتلونك، فنهض الحصان أخيرا. فقال الفلاح وهو سعيد جدا: لقد نهض الحصان يجب أن نحتفل، اذبحوا الخروف..!.
في عراقنا الجديد من غير المعقول ان نبلغ من القوة ما يمكننا من تجاوز العقبات التي أتت بها السنين السابقات ببساطة، ففضلا عن التي خلفها النظام السابق هناك تركة من سني الاحتلال، وفوق هذي وتلك نضيف ونجدد بشكل يومي مشاكل وعقبات أكثر من التي ورثناه كما يقول المثل: (فوگ الحمل تعلاوة). ويكفينا مايواجهنا اليوم من شرور أتت من دول وجهات من كل فج عميق، تريد الدمار وتبغي الخراب بالعراق من شماله الى جنوبه.
لقد آن الأوان -إن لم يفت بعد- للملمة جراحنا وهندمتها وتطبيبها بالعلاج الناجع والشافي بشكل جذري، لابترتيقها سطحيا وترقيعها شكليا، وبذا ننجو من الوقوع في فخاخ لاتقوم لنا بعدها قائمة، وحينها يكون الحال كما قال الشاعر:
إذا ما الجرح رُمّ على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب