19 ديسمبر، 2024 6:02 ص

سياسة الأستفزاز – مقال مترجم

سياسة الأستفزاز – مقال مترجم

الكاتبة / ميرديث تاكس
المترجمة / عواطف تركي رشيد
خلال العشرين سنة الماضية , وقف دعاة تحرر المرأة والمساواة الجندرية ( بين المرأة والرجل) بضراوة ضد كل التعصبات الدينية وحذروا من نتائجها. ونحن الان بحاجة الى ان نقولها بصوت أعلى مما مضى ” كل من يقوم بضرب العداوات الدينية بالسياط للفوز بالسلطة السياسية هو عدو لحقوق الأنسان”
لربما قفز خط المؤامرة من أسلوب الخيال الباروكي لسلمان رشدي: ثلاثة الأصوليين المسيحيين قاموا بتقديم فيلم لإهانة الإسلام، إلقاء اللوم على اليهود الأصوليين، ونجحوا في إثارة أعمال الشغب من قبل الأصوليين المسلمين. وهذه هي الحكاية حتى الآن
وفقا لماكس بلومنتال في صحيفة الغارديان، فأن الثلاثي المتعصب من  جنوب كاليفورنيا والمضاد للمسلمين المتعصبين،ولنطلق عليهم لقب ” الخنازير الصغيرة الثلاثة” : نقولا باسيلي نقولا (مصري قبطي مدان بقضايا تزوير في الشيكات المصرفية , روبرتس الان ( كان مديرا لأحدى الشبكات الأباحية المعروفة بأسم العاهرة السعيدة تذهب الى هوليوود ), وستيف كلاين ( مسيحي اصولي بائع بوليصة تأمين ويطلق على نفسه اسم ” مكافح المجاهدين” ) قرروا أن يقوموا بأنتاج فيلم  . الفلم الذي تنقصه فقط الموسيقى كي يكون مشابها لأفلام شركة ميترو كًولدوين مايرالفاشلة.  هدف الفلم هو وضع الأسلام في سلة المهملات , أثارة أعمل الشغب التي يقوم بها الأصوليين المسلمين , وقلب الثورة المصرية.   كذبوا على الممثلين في الفلم بخصوص الخطوط العامة للفلم قائلين لهم بأنهم يصورون ملحمة تدعى ” ملحمة الصحراء” . ( يذكر الممثلون الشخصيات التالية : جورج ( 40-45 عاما من العمر ) وهو شخصية القائد الشرق أوسطي الرومانسي المحارب المحبوب , هيلاري شابة عمرها 18 عاما ولكن كان يجب عليها ان تبدو بعمر اصغر وناعمة وبريئة . وبعد تصوير المرحلة الأولى من الفلم, عاد المنتج ليضيف ويغير في النص ليتحول الى فلم يهدف الى الأساءة الى النبي محمد
استأجر الخنازير الثلاثة الصغيرة قاعة ليوم واحد لعرض الفيلم الذي يدعى الآن ” البراءة من المسلمين”. ونشروا جزءا منه كمقدمات دعائية في جميع أنحاء شبكة الإنترنت لفترة من الوقت دون أن يلاحظ أحد. ثم اتصلوا بعد ذلك بشخص  يدعى موريس صادق،وهو أحد الأقباط اليمينيين المتطرفين ويعيش في العاصمة واشنطن , والذي قال عنه دانيال بيرك صاحب مجلة ” مراسلات دينية ” بأنه ممنوع من السفر منذ شهر ايار /مايو 2011 بسبب دعوته للحرب على بلاده مصر . كما يرتبط اسم موريس صادق الذي يحتقره الكثيرمن الأقباط بشخص اخر يدعى تيري جونز , الذي قام بأحراق القران في فلوريدا.
قام موريس صادق بترجمة الفلم ودبلجته الى العربية ووضعه على موقعه الشخصي على الانترنت , كما قام بأرساله في السادس من ايلول عن طريق الأيميل الى صحفيين مصريين وغيرهم مع تقرير أخباري عن الحدث السنوي لتيري جونز ” يوم محاكمة النبي محمد” ليوم 11 ايلول / سبتمبر . قامت أحدى الفضائيات اليمينية في مصر بأذاعة الفلم في يوم 8 أيلول 2011.
انتشر الفيديو الفيروسي في يوم 11 ايلول , واشتعلت المظاهرات ” العفوية ” ضد الأهانة الأمريكية الجديدة للأسلام . وقد حوصرت السفارة الأمريكية في مصر بينما وقفت الحكومة المصرية مكتوفة اليدين ولم تفعل شيئا إزاء ذلك. ويبدو أن التظاهرات في ليبيا كان تستخدم كتغطية لهجوم عسكري مخطط له مسبقا وانتهت بمقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز وثلاثة من المواطنين الأميركان. ولم تدع أية جهة مسؤوليتها عن ماحصل حتى الان!
في يوم 12 أيلول أجرت الاسيشيوتد برس ومجلة الوول جورنال مقابلات هاتفية مع رجل يطلق على نفسه اسم سام باسيلي حيث قال لهم بأنه اسرائيلي اميريكي وأن تكلفة الفلم كانت 5 ملايين دولار قام 100 يهودي بمنحها لأنتاج الفلم . ومع جهود بقية الصحفيين الاخرين الذين كانوا يحفرون بحثا وراء الحقيقة , فقد انكشفت الخدعة التي تعرضت لها الأسيوشيتد برس والوول جورنال , وأن من تحدث لهم كان هو نفسه نقولا باسيلي نقولا وانه هو نفسه الذي قام بنشر كذبة المانحين اليهود المائة وساعدته في هذا عدم دقة الصحافة في انحاء العالم. وكما يقول ادم نوفيتزي في موقع تالبت , فأن الدمار الذي يسببه هذا النوع من كسل نقل التقارير الصحفية خطير جدا. ولكن , من يدري , فلربما كان نزيف الدم يحفزتواصل الصراع بين المسلمين واليهود , يعتبر مكافأة لمسيحيين متعصبين مثل نقولا والمسيحيين المتعصبين الاخرين.
لازالت تداعيات الفيلم مستمرة , وحتى يوم الأحد 16 من ايلول فقد تم نهب مدرسة امريكية في تونس , وهناك مظاهرات جديدة ضد الولايات المتحدة وهجمات على سفاراتها في البحرين, بنغلاديش , مصر ( حيث أصيب 224 شخصا في القتال الدائر في شوارع القاهرة ) , وسيناء , وقطاع غزة , الهند , العراق , الكويت , لبنان , ليبيا , ماليزيا , نيجيريا , باكستان , قطر , السودان , سوريا , تونس , واليمن , بالأضافة الى السفارتين البريطانية والألمانية في الخرطوم.
فما الذي نريد أن نفعل من كل هذا؟ هل يعني هذا أن الأنتشارالفيروسي للفلم الذي كان بقصد الأستفزاز, والموت الناجم عنه, أن المواد المنشورة على الأنترنت بحاجة الى مراقبة أكثر تشديدا وقوانين ضد القذف والتشهير؟ ليس بالنسبة لي! ولا أتفق مع دعوة أدارة أوباما لأدارة يوتيوب لمراجعة مدى تعارض الفلم مع انتهاك شروط خدمته , والتي تعني بعبارة أخرى , لفرض رقابة يوتيوب على خدماته نفسها. لقد تم تصميم الفلم كي يشكل أهانة , لكن لا أحد يجبر الناس على أن يقوموا بأعمال جنونية فيما لو تعرض دينهم للأهانة. ولكي أوضح هذه النقطة , فقد قام موقع أونيون ( البصل ) بنشر صورة كارتونية مسيئة لأربعة من الهة وانبياء الأديان الأخرى الكبرى في العالم : المسيحية , اليهودية , الهندوسية , والبوذية ( لم يكن الأسلام بينها) تحت عنوان ( لم يقتل أحد بسبب هذه الصورة ) . 
الضجة التي قامت حول فلم ” البراءة من المسلمين ” هي بالضبط النتيجة التي كان الخنازير الثلاثة الصغيرة يرجونها , حيث قال احدهم , ستيف كلاين , عن حالات الموت في بنغازي ما نصه ” لقد ذهبنا بأرجلنا الى هذا علما أن هذا كان محتمل الحدوث ” . وبعبارة أخرى , كانوا يأملون أثارة أعمال الشغب من أجل أن يبينوا للعالم أن المسلمين متوحشين ومجانين. في الوقت نفسه , قام المسلمون الأصوليون بتنظيم أعمال الشغب وبرحابة صدر لأن الأستفزازات ساعدتهم على بناء حركاتهم السياسية.
وبما أن الأستفزازات أسفرت عن العديد من الوفيات , فيجب بالتأكيد تحميل الخنازير الثلاثة الصغيرة وأعوانهم مسؤولية ما حدث وتقديمهم الى المحاكمة. لايمكن معادلة حالات الوفيات بثمن مادي , لكن بعض الاضرار الأخرى يمكن تقدير قيمتها المادية على الأغلب . وقد كان ل ” المركز القانوني الجنوبي للفقر” نجاحا كبيرا في الدعاوى المدنية المقامة ضد الكوكلوكس كلان , شعب الاريان , وغيرها من الجماعات التي تؤمن بتفوق البيض وقيامهم بحالات قتل واعتداءات ؛ وقد أنتهت هذه الدعاوى بأفلاس اثنتين من المنظمات على الأقل. أأمل أن يتمكن الممثلين المخدوعين في الفلم وعوائل الأشخاص الذين قتلوا في أعمال الشغب من مقاضاة الخنازير الثلاثة الصغيرة وكل من ساعدهم.
من المصادفات الساخرة , فأن هذا الأسبوع يصادف الذكرى 25 لنشر كتاب سلمان رشدي ” الايات الشيطانية” .سلمان رشدي لديه كتابا قادما عن ذكرياته عن السنوات التي قضاها تحت ” الفتوى “( بالنسبة للصغار الذين لا يعرفونها فهي الفتوى التي اصدرها الخميني لاغتيال سلمان رشدي رغم أن الخميني لم يقرأ الكتاب ). فتوى الخميني حينها أدت الى مظاهرات وأعمال شغب وحالات وفيات ضمن أوضاع تشبه الى حد كبيرالأوضاع التي حصلت وتحصل في هذا الأسبوع , وتفجيرات وعمليات قتل للناشرين والمترجمين. كان رشدي يعيش مختبئا مع حماية الشرطة لسنوات عديدة.
في قسم من مذكرات سلمان رشدي التي نشرت في مجلة نيويوركر هذا الأسبوع , يقول أنه يتذكر عندما بدأ دراسته الجامعية في جامعة كمبردج وبتخصص ( القران وتاريخ الأسلام ), وكيف أنها تنبه للمرة الأولى في حياته عن وجود ” آيات شيطانية” وبدأ يفكر بعقلية المؤرخ حول مايمكن أن يكون أصل تلك الايات . الفصل المنقول من المذكرات طويل جدا ولايمكن اقتباسه هنا , لكنه يصف جمالية أن تجد الأبواب مفتوحة أمام عقلك وأن تتخيل نفسك عائدا الى الماضي لاستكشافه . لهذا السبب , فأن الأصوليين والمتشددين المسلمين يخشون دراسة التاريخ , لأنها على الأرجح ستؤدي الى التحقيق في التفسيرات العقائدة للنصوص الدينية.
في جزء اخر من مذكراته , يذكر سلمان رشدي اخرزيارة له الى أخته , وهي محامية تحلل السياسة بالنسبة له كما يلي:
وكانت الثورة الأيرانية هشة وضعيفة منذ أن اضطر الخميني , على حد قولها , الى شرب كأس السم و” تقبل ” نهاية ناجحة لحربه مع العراق , والتي تركت جيلا من الشباب الأيرانيين المعوقين بالأضافة الى القتلى .وكانت الفتوى هي الطريقة التي تكفل له استعادة الزخم السياسي في أعادة تنشيط المؤمنين. وكان من سوء حظ أخيها أنه كان الرجل الأخير ليموت على منصة الأعدام. أما بالنسبة للقادة المسلمين البريطانين, فالسؤال هو : من كانوا يقودون بالضبط؟ أنهم قادة بلا أتباع وهم نصابون يحاولون ان يخلقوا ” فرصة عمل ” لأنفسهم من خلال سوء حظ أخيها. ولأجيال كانت سياسة الأقليات الأثنية في بريطانيا , سياسة علمانية واشتراكية . وكانت هذه الفتوى بمثابة الطريق المعبد للجوامع لكي يتبوأ الدين مقعد السائق والقيادة.
لم يكن هناك تقسيم للبريطانيين الاسيويين حسب الدين . لم يكونوا مقسمين الى مسلمين , هندوس , أو سيخ من قبل. كانت هناك حاجة لشخص كي يدق أسفين الطائفية والتفرقة ضمن المجتمع , كما تقول , وكان هذا الشخص ممثلا بالأنتهازيين والمنافقين. 
كانت على حق : هناك حاجة لشخص كي يدق هذا الأسفين في ذلك الوقت وحتى الان , ليس فقط للرد على الأسلاميين الأستفزازيين وأنما للرد على كل الأستفزازيين الاخرين : الأصوليين المسيحيين مثل الخنازير الثلاثة الصغيرة الذين خططوا لأثارة الكراهية ضد المسلمين وفي نفس الوقت قاموا بالتشهير باليهود , والأصوليين اليهود الذين يعتبرون كل شخص لاينتمي الى دينهم على أنه أقل درجة منهم كأنسان ويتصرفون بهذا الأتجاه .
منذ عشرين عاما , ودعاة تحرر النساء والمساواة يرفعون اصواتهم قائلين ” أياكم والأصولية” ونحن بحاجة الى ان نقولها الان بصوت أعلى كما لم يكن من قبل . كل من يقوم بضرب العداوات الدينية بالسياط للفوز بالسلطة السياسية هو عدو لحقوق الأنسان.
المصدر:
http://www.opendemocracy.net/5050/meredith-tax/politics-of-provocation
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات