اذا كانت المسألة الشيعية قد طرحت بقوة في المشهد العربي العام بعد عام 2003، فانها كانت اكثر بروزاً وتعقيداً في منطقة الخليج. اولاً- لان التحول الاكبر الذي حدث لصالح الشيعة تم في دولة خليجية هي العراق. وثانياً- لأن الخليج يضم الكتلة البشرية الشيعية الاكبر في المنطقة العربية والعالم، وثالثاً- لأن هناك دولة خليجية رئيسية تتخذ من التشيع نظرية للسياسة والحكم هي ايران التي سعت وتسعى الى تصديرها الى الخارج.
لقد اصبحت التطورات المتعلقة بوضع الشيعة العرب بشكل عام والاقليات الشيعية في منطقة الخليج العربي بشكل خاص، تحظى باهتمام كبير في ضوء الكثير من الاحداث والتحولات التي شهدها الوطن العربي ومنطقة الخليج والشرق الاوسط، بدءاً من عام 2003، واهمها الغزو الامريكي- البريطاني للعراق، وبداية التمكين السياسي للشيعة هناك، والتغيرات التي الحقت بايران وسياساتها الاقليمية، وموقع البعد المذهبي الشيعي فيها، وحرب تموز/ 2006 بين اسرائيل وحزب الله اللباني الشيعي، والضغوط الامريكية من اجل التغيير والاصلاح في الوطن العربي في عهد بوش الابن، والمواجهة بين النظام اليمني والحوثيين، وغيرها من الامور التي ابرزت دور الشيعة الاقليمي، ولفتت النظر اليه بشكل غير مسبوق، وهو ما دفع البعض الى الحديث عن هلال شيعي او صحوة الشيعة في الشرق الاوسط، وكيف انهم اصبحوا رقماً اساسياً في تفاعلات وتوازنات وتطورات المنطقة.
ان الهدف من هذه الدراسة –الكتاب- الذي نحن بصدد مراجعته، هو تحليل واقع الشيعة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، المذهبي، في كل من البحرين والكويت والسعودية، ودراسة تقييم سياسات النظم الحاكمة في الدول الثلاث في التعامل مع تزايد المطالب والطموحات الشيعية فيها بعد عام 2003، وهي السياسات التي تباينت بتباين المعطيات الخاصة، بوضع الشيعة في كل منها من حيث حجمهم العددي وقدرتهم التنظيمية ومواقع تمركزهم الجغرافية، وطبيعة النظرة السلفية السنية اليهم، ومدى الانفتاح السياسي او الاستعداد للمزيد منه داخل هذه الدول، وطبيعة النظام السياسي فيها، وآليات المشاركة السياسية المتاحة بها، وشكل العلاقة مع ايران، وطبيعة الضغوط الخارجية من اجل الاصلاح وغيرها.
ولا شك، في ان اسلوب تعامل النظم الحاكمة في الدول الثلاث مع مطالب الشيعة فيها ومظالمهم، لها تأثيرها المباشر في امنها واستقرارها السياسي والاجتماعي، وربما في مستقبل وجود بعضها كدول موحدة مستقرة.
والكتاب، على اساس ما تقدم، طرح سؤالاً مركزياً هو: كيف تعاملت النظم الحاكمة في كل من البحرين والكويت والسعودية، مع تنامي مطالب وطموحات الشيعة لديها في ضوء عدد من المعطيات الداخلية والخارجية، ولا سيما بعد عام 2003، وما الاعتنبارات الحاكمة لهذا التعامل وتأثير ذلك في مستقبل الاستقرار السياسي والاجتماعي بها؟
يجيب المؤلف عن هذا السؤال المحوري وما يتفرع من تساؤلات ابرزها:
– ما طبيعة مطالب الشيعة في هذه البلدان الثلاثة؟ وهل جاءت في سياق المطالب الوطنية العامة، الخاصة بالاصلاح ام انها عكست اولويات مذهبية طائفية خاصة؟
– كيف أثر الصعود السياسي لشيعة العراق في اوضاع الشيعة في البلدان الثلاثة وما حدود هذا التأثير وما مظاهره؟
– كيف تؤثر علاقات البلدان الثلاثة مع ايران في طريقة تعاطيها مع الشيعة لديها؟
– اي دور للعامل المذهبي السني- السلفي في تشكيل رد فعل النظم الحاكمة في البلدان الثلاثة على تنامي المطالب الشيعية؟
– كيف أثر الاختلاف بين نظم الحكم والبنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومستوى التوازن العددي بين السنة والشيعة، ودور العوامل الدينية والجغرافية في طبيعة التعامل مع الشيعة ومطالبهم في البحرين والكويت والسعودية؟
في سياق الاجوبة عن هذه الاسئلة، يبدو تعامل دول المنطقة مع تنامي مطالب الشيعة فيها بعد عام 2003، على درجة كبيرة من الاهمية، سواء تعلق الامر بابعاده الداخلية او بابعاده الاقليمية. وهنا تبرز البحرين والكويت والسعودية باعتبارها نماذج كاشفة في هذا الشأن، حيث تمثل البحرين نموذجاً لدولة فيها انفتاح سياسي، وغالبية شيعية محكومة باقلية سنية، وتمثل الكويت نموذجا لدولة فيها انفتاح سياسي، واقلية شيعية ممثلة سياسياً بشكل نسبي مع وجود بعض التوترات الطائفية، فيما تمثل السعودية نموذجا لدولة منغلقة سياسياً وفيها اقلية شيعية تشكو التهميش وانعدام التمثيل السياسي. الى ذلك تضم الدول الثلاث، اكبر تكتل شيعي في دول الخليج العربي عدا العراق، وهناك تاريخ من التوتر والصدام بين الشيعة ونظم الحكم فيها بدرجات مختلفة، خاصة البحرين والسعودية كما كان تأثير صعود شيعة العراق السياسي في الشيعة العرب، اكثر وضوحا على شيعة الدول الثلاث من حيث تصاعد مطالبهم الخاصة بالمساواة والمشاركة في السلطة والثروة.
ان التعددية المجتمعية تمثل احدى السمات المميزة لمجتمعات البحرين والكويت والسعودية، منذ ظهورها كدول مستقلة. وتعد الثنائية المذهبية السنية- الشيعية المظهر الابرز لهذه التعددية والاكثر تأثيرا بين المظاهر الاخرى في الاستقرار السياسي والاجتماعي في هذه الدول.
وفي الوقت الذي لا تمثل هذه التعددية في حد ذاتها مصدراً للخطر على سلامة البناء الاجتماعي والسياسي للمجتمعات التي هي –اي التعددية- فيها، وانما تتحدد آثارها الايجابية او السلبية وفقاً لطريقة ادارتها والنظرة التي يتبناها المجتمع والسلطة تجاهها، فضلاً على الاطار السياسي والثقافي والقانوني الذي توجد فيه، فان حالات البحرين والكويت والسعودية تمثل نماذج معبرة عن الاثار المعقدة لهذه التعددية، عندما تتوافر لها شروط معينة داخلية كانت او خارجية او الحالتين معاً.
فعلى الرغم من ان البحرينيين شيعة وسنة رفضوا الانضمام الى ايران التي طالبت بالبحرين بعد انتهاء الوجود البريطاني في الخليج عام 1971، واختاروا الاستقلال في الاستفتاء الذي جرى برعاية الامم المتحدة، فان هذا لم يكن كافيا لبناء امة بحرينية على قاعدة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، خاصة في ظل وجود اقلية سنية مسيطرة واغلبية شيعية عانت التهميش والتمييز الى حد اندفاعها الى المواجهة مع النظام الحاكم في كثير من مراحل التاريخ، وهي المواجهة التي اشتعلت بشكل خاص في التسعينات من القرن الماضي، واتهمت ايران باستغلالها من اجل التدخل في الشؤون الداخلية البحرينية.
وعلى الرغم من ان التطورات الديمقراطية التي شهدتها البحرين منذ تولى حمد بن عيسى ال خليفة مقاليد الحكم في عام 1999، قد خففت من وطأة الازمة الطائفية فيها، فانها لم تقض عليها، ولم توفر بشكل كاف الاطار الذي يمكن ان تنمو في ظله وطنية بحرينية جامعة، خاصة مع التطورات الاقليمية والدولية التي غذت وتغذي هذه الازمة من ناحية واوجه القصور في تجربة الاصلاح ذاتها من ناحية اخرى.
اما العربية السعودية، فانها قامت على التحالف بين القوة المسلحة المتمثلة في ابن سعود والقوة الدينية المتمثلة في الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذا جعل علاقة الدولة السعودية بالشيعية، حالة مأزومة في ظل الموقف المتشدد للوهابية تجاههم، واعتبارهم خارجين عن الملّة او روافض، وبالتالي التضييق عليهم في اداء شعائرهم الخاصة، وحرمانهم من المشاركة في الحكم واضعاف نصيبهم من الثروة الوطنية على الرغم من انهم موجودون في المنطقة الشرقية التي تمثل المصدر الاساسي للنفط السعودي، وهذا دفعهم الى المواجهة مع السلطة في اكثر من مناسبة، وباكثر من اسلوب، وكان الحديث عن الدور الايراني في هذه المواجهة بارزاً في فترات مختلفة.
وعلى الرغم من ان الطابع الانفتاحي الذي تميزت به الكويت منذ نشأتها، قد قلل من وطأة الازمة الطائفية فيها، فان الديمقراطية الكويتية لم تستطع ان تقضي على اسباب الاحتقان والتوتر ومظاهرها المرتبطة بوجود الشيعة وطبيعة علاقاتهم الخارجية وان عملت عمل التخفيف منه وتوفير اطر لادارته والتعامل معه بشكل او بآخر.
ولا تتوقف مشكلة الشيعة في الدول الثلاث موضوع الدراسة والمنطقة العربية بشكل عام عند ابعادها الداخلية فقط، وانما تتداخل فيها الابعاد الداخلية والاقليمية والدولية بشدة، وهو ما يضفي عليها درجة عالية من التعقيد والتشابك والحساسية. في هذا السياق كانت الثورة الايرانية في عام 1979، نقطة تحول كبيرة في النظر الى الشيعة في دول الخليج العربية وعلاقاتهم بايران، وتأثيرهم في أمن دولهم واستقرارها، خاصة مع رفع رجال الثورة شعار تصديرها الى الدول المجاورة، وبشكل خاص تلك الدول التي فيها اقليات شيعية كبيرة واعتبارهم الشيعة العرب جسراً نحو ايصال ثورتهم الى الدول التي هم فيها.
نتيجة لذلك، عانى الشيعة العرب ومازالوا مظاهر التشكيك في ولائهم او الهجوم على معتقداتهم وتشويهها، وأحيانا نظر البعض اليهم على انهم طابور خامس يعمل لصالح ايران ويتوجه اليها، ويأتمر بأمرها. وهذا اثر وما زال في طريقة تعامل الشيعة مع النظم الحاكمة في دولهم من ناحية وطبيعة تعامل هذه النظم معهم من ناحية اخرى.
لقد مثل احتلال العراق، محطة فاصلة اخرى في النظر الى الاقلية الشيعية في الخليج وطبيعة ارتباطاتها الخارجية، وتأثيرها في استقرار الدول التي توجد فيها، حيث صعد الشيعة الى قمة السلطة في ظل النظام السياسي العراقي الجديد والمحاصصة الطائفية التي قام عليها بحكم الاغلبية العددية التي يتمتعون بها بشكل اثار طموحات اقرانهم في دول الخليج الاخرى، طمعاً في وضع مماثل، وبدا ذلك واضحاً بشكل خاص في البحرين والكويت والسعودية، وهذا اعاد طرح المشكلة الشيعية بقوة في منطقة الخليج العربي.
ضمن هذا السياق، كان تأثير ما حدث من صعود سياسي كبير للشيعة في العراق تأثيراً مباشراً في دول الخليج العربية المجاورة، حيث تصاعدت فيها مطالب الشيعة السياسية والاقتصادية والمذهبية بدرجات مختلفة، واصبحت هذه المطالب تطرح بصورة اجرء، واقوى من ذي قبل، كما برز على نحو اكبر الهاجس تجاه ايران وخطورة تدخلها في الشؤون الداخلية من خلال الجسر الشيعي. في هذا الاطار تحدث البعض عن صحوة شيعية في الشرق الاوسط، وكيف انهم اصبحوا رقماً مهماً في تفاعلات المنطقة وتوازناتها وتطوراتها.
اضافة الى ذلك، القى الصراع الطائفي بين السنة والشيعة في العراق بتأثيراته السلبية في العلاقة بينهما في دول الخليج المجاورة بدرجات متباينة، وهذا انتج امام هذه الدول تحدياً ذا جوانب معقدة بعضها سياسي يتعلق بالعلاقة بين الشيعة ونظم الحكم، وبعضها الآخر طائفي يتصل بالعلاقة بين الشيعة والسنة، خاصة السلفيين منهم، الامر الذي جعل أمن بعضها واستقراره على المحك، خاصة في ظل اجواء الاحتقان الطائفي التي سادت منطقة الشرق الاوسط كلها منذ الغزو الامريكي-البريطاني للعراق، وبروز بعض مظاهر التشكيك في ولاء الشيعة العرب لبلادهم، والتحذير من هلال شيعي يشمل العراق ولبنان وسورية وايران، وما اثاره الحديث عن حلف سني او تحالف المعتدلين في مواجهة الحلف الشيعي او تحالف المتشددين في المنطقة بعد عام 2006، ومن توترات كبيرة جعلت التباين المذهبي احد العوامل المؤثرة في تفاعلات المنطقة والتطورات الداخلية لبعض دولها، خاصة مع دخول اطراف اقليمية (اسرائيل) والولايات المتحدة على خط هذا التباين ومحاولتها الاستفادة منه واستثماره في خدمة مصالحها.
ان احد الجوانب الخطيرة لمشكلة الاقليات الشيعية في الدول الثلاث التي نبه اليها الكتاب، هو ذلك التداخل بين الديني والسياسي او بين المذهبي والسياسي، فعلى المستوى الداخلي يبرز الدور الكبير الذي يمارسه رجال الدين الشيعة في مجال السياسة والوجود المؤثر للتيار السني السلفي على الساحة السياسية، كما ان بعض النظم تعتمد في سيطرتها تاريخياً على عصبية سنية مذهبية، كما هو الحال في البحرين، وفي شرعيتها السياسية على دعم التيار السلفي كما هو الحال في السعودية. وعلى المستوى الخارجي يرتبط جانب من جوانب الصراع الاقليمي مع ايران او التوجس تجاهها بابعاد مذهبية، ولعل فتاوى التكفير العديدة التي صدرت ضد الشيعة، والتحذيرات من هلال شيعي اومد شيعي او موجات تشيع خلال الفترة 2003- 2008، انما تعبر عن هذا المعنى بوضوح. وهذا يشير الى امر مهم هو ان قضية الاقليات الشيعية في الدول الثلاث ليست قضية سياسية فقط وانما هي قضية دينية مذهبية ايضا، وفي بعض الاحيان يكون جانبها المذهبي الديني اكثر تأثيرا من جانبها السياسي بالنظر الى طبيعة النظرة الدينية السلبية التي يتبناها التيار السلفي السني تجاه الشيعة، وهي تصل الى حد التشكيك في اسلامهم كما هو الحال في السعودية.
في جانب المقارنة بين الاساليب التي استخدمتها نظم الحكم في البحرين والكويت والسعودية في التعامل مع مطالب الشيعة بها قبل عام 2003 وبعده، وقد تناولها الكتاب في احد فصوله، حيث اكد ان هذه النظم بشكل عام عملت بعد عام 2003، على تكرار الكثير من الاساليب التي كانت تستخدمها قبل هذا التاريخ، مثل: الاستجابة الجزئية للمطالب، بعض اجراءات الانفتاح الشكلي، التحالف مع السنة، تشكيك السلطة في ولاء ووطنية بعض تيارات وقوى الشيعة، والنظر اليهم على انهم طابور خامس، اتهام ايران بالتدخل في الشؤون الداخلية، تصوير مطالب الشيعة على انها خطر.. ولكن هذا لا يعني ان تغييراً مالم يحدث، فنظم الحكم في الدول الثلاث تأثرت بالمتغيرات الداخلية والخارجية بعد عام 2003، واقدمت على اجراء بعض التغيرات الايجابية في طريقة تعاملها مع الشيعة لديها، وان لم تتطور تلك التغيرات على تحولات جوهرية.
والتباين في طبيعة نظم الحكم واختلاف الاوضاع الديمغرافية والتاريخية والجغرافية للاقليات الشيعية، ادت الى تنوع اساليب الاستجابة لمطالب هذه الاقليات في الدول الثلاث. فبالنظر الى تاريخ التوتر بين الشيعة والحكم في البحرين، واغلبيتهم العددية، وطبيعة النظام الذي يقوم على سيطرة اقلية سنية على السلطة، كان الهدف الاساسي للحكم هناك في مواجهة تصاعد مطالب الشيعة هو ابطال المفعول السياسي للاغلبية العددية، ومنعهم من السيطرة على السلطة من خلالها.
اما في الكويت، فان النظام السياسي المنفتح، وتاريخ التحالف بينه وبين الشيعة، ومشاركتهم في السلطة والثروة منذ قيام الدولة، فضلاً على حجمهم العددي الصغير والعلاقة المتوترة بين الحكم والتيار السياسي السني… هذه كلها عوامل منعت النظام الحاكم من النظر الى مطالب الشيعة على انها تهديد له، وان كانت قد رأت فيها تهديداً لحالة الاستقرار والتعايش الطائفي في المجتمع، خاصة حينما دخل العامل الايراني في المعادلة، وبرزت المطالب ذات الطابع المذهبي التي اثارت السلفيين السنة. ولهذا عملت السلطة على منع التصاعد في مطالب الشيعة من ان ينال من العلاقات المذهبية في المجتمع، ومنع ايران من محاولة استخدام هذه المطالب لمصالحها.
في السعودية، نظرا الى قوة التيار السلفي الوهابي على المستويين الاجتماعي والسياسي، علاقة التحالف بين النظام والوهابية وطبيعة النظام السعودي، باعتباره نظاماً تقليدياً منغلقاً من الناحية السياسية. فقد أثارت مطالب الشيعية على الساحة السعودية بعد عام 2003، جدلاً كبيراً بين الذين نظروا اليها كخطر يجب مواجهته، سواء في السلطة او المؤسسة الوهابية، والذين عملوا على التفاعل معها ومحاولة احتوائها سواء في السلطة او في المؤسسة الدينية. وهذا ما يفسر موجات الانفتاح والتضييق على الشيعة بعد عام 2003، وتلازم سياسات الانفراج والتكبيل تجاههم في بعض الاحيان. وهذا يقع ضمن حالة الصراع العامة التي تشهدها المملكة، ولم يتم حسمها بعد بين التباين التقليدي الديني المحافظ والليبرالي الانفتاحي الاصلاحي داخل السلطة والمجتمع.
أخيراً، اوردت الدراسة/ الكتاب، امور كثيرة مطلوبة لا من نظم الحكم فقط وانما من الاقليات الشيعية ايضاً، من اجل حل عقدتها في الدول الثلاث، وتحقيق التعايش الداخلي، والحفاظ على الاستقرار السياسي والمجتمعي، وتحصين مجتمعاتها ضد اي تدخل خارجي عبر الجسر الشيعي… امور –نذكر اهمها- بحاجة الى منهج لادارة التعددية المذهبية يقوم على اساس:
اولاً- تعزيز مبدأ المواطنة الذي يعلو فوق جميع اعتبارات وفوارق الدين او المذهب او العرق، ويتساوى في ظله المواطنون في توزيع الثروة والسلطة. فأخذ اخطر مشاكل دول الخليج، هو الاهتمام ببناء الهياكل والمؤسسات وليس بناء المجتمع المترابط الذي يشترك ابناؤه في الانتماء الى وطن واحد، ولذلك ما ان تنهار هذه المؤسسات او يتم تهديدها حتى يتضح غياب الامة التي تتأسس على المواطنة، كما حدث في العراق بعد احتلاله، حيث ادى انهيار مؤسسات الدولة الى ظهور الانقسامات الطائفية والدينية والعرقية العميقة بين العراقيين، بحيث بدا العراق اجزاء متفرقة لا دولة واحدة.
ولا شك في ان الشيعي البحريني او الكويتي او السعودي الذي يتمتع بحقوق المواطنة، ويشعر بأنه مواطن كامل، لن يسعى الى طلب مساعدة الخارج لتحسين وضعه بل سيكون لبنة قوية في حائط الصد في مواجهة أية محاولات خارجية للتدخل في الشؤون الداخلية.
ثانياً- التفريق بين الولاء والتقليد، والولاء للوطن والولاء للنظام، حيث ان تشكيك البعض في ولاء الشيعة في البحرين والكويت والسعودية، بسبب تقليد بعضهم مراجع شيعية خارج الحدود، ينطوي على فهم خاطئ لطبيعة العلاقة بين المراجع والمقلد، وهي علاقة ذات بعد مذهبي عقائدي وليس سياسياً في غالب الاحيان. فضلاً عن ذلك فان الشيعة في هذه الدول لا يقلدون مرجعاً واحداً، يقلدون مراجع مختلفة في ايران والعراق ولبنان، وان في ايران نفسها الكثير من مراجع التقليد التي تختلف مع بعضها البعض في امور كثيرة. هذا التعدد في مرجعيات الشيعة العرب ينافي ربط الولاء الديني لهم بايران، لان ايران لا تمثل المرجعية الوحيدة لهم من ناحية، اضافة الى تعدد اراء العلماء في المذهب نفسه من ناحية اخرى. وعليه، فان التشجيع على وجود مراجع تقليد شيعية محلية تُغني عن الاتجاه الى تقليد مراجع خارج الحدود، حيث تُعد نظم الحكم في الدول الثلاث محل الدراسة، وبشكل خاص في السعودية، مسؤول عن عدم وجود مراجع تقليد عربية محلية قوية من خلال ملاحقتهم واضطهادهم بما يؤدي بهم الى الذهاب الى ايران. ولهذا لا بد من العمل على ايجاد مراجع تقليد خليجية مستقلة كسبيل الى تقليل سيطرة المراجع الايرانية على الشيعة العرب، حيث تخلو دول مجلس التعاون الخليجي من اي مرجع شيعي، ورجال الدين الكبار فيها مجرد وكلاء للمراجع المقيمين في قم او النجف او بيروت، وهذا يحقق مصلحة ايران مباشرة، لذلك تعمل ايران على منع بروز مرجع شيعي عربي كبير يمكن ان يمثل بديلاً من المراجع الايرانية.
• الكتاب- سياسات النظم الحاكمة في البحرين والكويت والعربية السعودية في التعامل مع المطالب الشيعية 2003-2008 دراسة مقارنة، تأليف- شحاتة محمد ناصر، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011، 432 صفحة
[email protected]