19 ديسمبر، 2024 6:54 ص

يفتح ذراعيه لاحتضان عشرات السيارات المارة باتجاه واحد، وحتى أكون بأمان أكثر تعودت سلوك الجانب الأيسر من (السريع) عندما يكون فارغا –طبعا- ولم أخاطر يوما بتحدي سائقي الكيات والسيارات الحديثة، فلهم قوانينهم الخاصة في السير ومنها اعتبار الجانب الأيسر ملكا صرفا لهواة السرعة الجنونية. 

ورغم ان عينيّ تعودتا التركيز على المرآة الأمامية للسيارة أكثر من تركيزهما على الطريق لمراقبة من يتبعني في السير، الا اني فوجئت قبل يومين بهم يخرجون من باطن الأرض ليلتصقوا بمؤخرة سيارتي حتى شعرت بأن السيارة تحولت الى حشرة صغيرة سيسحقها المارد العملاق القابع خلفها في خطوته التالية.

وكالعادة كانت سياراتهم (ذهبية) اللون ومظللة. لم يتكرم من يقودها باطلاق المنبه حتى قارب على –الالتصاق بسيارتي ليبادر باطلاق زئير عربته الذي اخترق طبلة الأذن، وتوهجت أشعة الاضوية التي انعكست في المرآة لتنذر بما يشبه الحريق المفاجئ، مطلقة اشارات تحذير من كل الأنواع . لم أعد أفكر في تلك اللحظة الا بإيجاد طريق للفرار من أمام هذا التنين الزاحف خشية أن يسحقني فأصبح في خبر كان.

وبكل تأكيد، لم أفكر بالمقاومة والتحدي بل استجمعت قواي لأتفحص الجانب الأيمن من الطريق في محاولة لفسح المجال للسيارات المظللة قبل ان تلتهمني تحت عجلاتها الضخمة. ومن سوء حظي في تلك اللحظة، أن سائق (برازيلي) عجوز كان يتهادى على الجانب الايمن، وادركت أنه لا يملك أية نية بالتنحي ولو قليلا أو حتى الأسراع الى أمام ليترك لي مجالا لتغيير مساري لأكون خلفه. مرت اللحظات عصيبة، كنت فيها أضغط على المنبه بكل قوة لألفت انتباه العجوز الذي بدا مطمئنا الى ان عنفوان التنين لن يمسه طالما انه يتخذ الجانب الآخر عن انيابه، تسارعت الثواني ومعها خفقات قلبي، وبعناية الله، التفت العجوز لينظر الي ويدرك حجم المأزق الذي أنا فيه، فزاد من سرعته قليلا فاسحا لي المجال لأكون ضمن الجانب الايمن. اندفعت بكل سرعتي لأبتعد نحو اليمين كأن الفرج جاء في اللحظة المناسبة. وبسرعة البرق، إندفع اصحاب السيارات المظللة الى الأمام بعد أن بثوا الرعب في قلبي وكادوا ان يدفعوني لارتكاب حادثة طريق. والطريف في كل ما حدث، أن (الوفد ) المكون من ثلاث سيارات (ذهبية)، وبعد أن اجتاز سيارتي، انحرف ثانية الى اليمين لينزل من الخط السريع شاقا طريقه نحو الباب الشرقي، فلم كان مصرا على اتخاذ الجانب الأيسر؟ لا أظن السؤال يجدي نفعا، فالطريق كله ملك لأصحاب السيارات المظللة وسيارات الأسعاف بصفاراتها المدمرة وسيارات الشرطة بالوانها المتعددة ومواكبها التي لم يعد يعرف لها هوية، بل وحتى سيارات (ضباط المرور) التي تسير عكس السير! ويبدو أن ما تسببه الأرتال العسكرية والمفارز من قلق وفوضى في قوانين السير ولعقول المواطنين غير كاف، فشاءت السيارات (الرسمية) بأرقام وبدون أرقام أن تتضامن مع زحام الصباح المروري لتهيئ للمواطن كل أسباب (الأمن والأمان). وفي ظل هذه الظروف، يصبح من الغريب السؤال عن قرار مجلس الوزراء الذي صدر – قبل ثلاث سنوات- بمنع المواكب والسيارات المظللة من مضايقة المواطن بصفاراتها الخارقة وسرعتها الجنونية، بينما يتوجب علينا دائما فسح الطريق لأصحابها طالما أن قرارات  سلطة القانون نفسها عاجزة عن الوقوف بوجهها..
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات