18 ديسمبر، 2024 11:09 م

سيادة فينزويلا بين قوسين

سيادة فينزويلا بين قوسين

لا تختلف مسألة فينزويلا اليوم عن مسائل سابقة أخرى عبر تاريخ طويل من صراع المصالح الدامي بين المعسكر الأمريكي الأوربي والروسي الصيني. أما الاختلاف البسيط هذه المرة عما سبق فهو باتفاق المصالح التركية الإيرانية مع مصالح الرئيس الروسي بوتين في البكاء على شعب فينزويلا المهدد بالعدوان الأمريكي (الغاشم)، وفي إعلان خامنئي وأردوغان النفير العام ضد التدخل في شؤون دولة مستقلة ذات سيادة.

ويمكن أن نتفهم غضب الثلاثة، بوتين خامنئي أردوغان، على ترمب بسبب تدخله في شؤون فنزويلا، لأن أسباب غصبهم معروفة. فهم، جميعا، مجموعون، بحكم المصالح المتحدة، على معاداة أي شيء يأتي من أمريكا، أيا كان، ومهما كان، خيرا أو شرا، صدقا أو كذبا، ومتفقون على إعلان الحرب على أي موقف من مواقف حكوماتها، حتى لو كان كان خالصا لوجه الله والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولكن ليس مفهومة ولا مهضومة تلك الدموع الساخنة التي ذرفها على سيادة فينزويلا المنتهَكة أشقاؤنا المثقفون العروبيون، عراقيين وأردنيين بشكل خاص، تضامنا كاملا وغير مشروط مع جمهوريّة فنزويلا البوليفاريّة الحرّة وشعبها المناضل بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو في مواجهة التّهديدات الإمبرياليّة الأميركيّة السافرة والمتصاعدة“، كما ورد في بيان أصدروه مؤخرا.

ونرقض هنا اتهامهم بأنهم واقعون تحت وصاية تركية إيرانية أمرتهم أو اقترحت عليهم إصدار ذلك البيان.

وذلك لأننا تعودنا على أن نرى شريحة من مثقفين عروبيين تؤمن بعقيدة واحدة ملخصها أن المثقف لا يكون مثقفا إلا إذا كره أمريكا، ظالمة أو مظلومة، وإلا إذا أحب أي حاكميعادي أمريكا، حتى لو كان من أفسد من خلق الله، وأكثرهم قمعا وإفقارا وتهجيرا لمئات الآلاف من مواطنيه الهاربين من ظلمه، والهائمين على وجوههم بحثا عن لقمة عيش وعن أمن وكرامة.

وكان يمكن أن نحترم بكاءهم ذاك على سيادة “دولة فينزويلا البوليفاريّة الحرّة وشعبها المناضللو أن واحدا منهم فقط كتب ذات يوم كلمة واحدة عن ديكتاتورية مادورو،ونظامه الذي أقامه بديمقراطية مغشوشة، كغيره من حكام قتلة آخرين ثارت عليهم شعوبهم ورمت بهم في أقرب سلال المهملات.

والمحزن في هذا البعض العروبي أنه  يتضامن مع روسيا بوتين وإيران خامنئي وتركيا أردوغان، وهو يرى ويسمع حرارة دفاع هؤلاء عن مادورو وحرارة دعمهم له بكل سلاح ووسيلة، بلا كلل أو ملل، لحمايته من أي عقاب، وخصوصا من دعوة أممية لإجراء انتخابات شفافة يتقرر على ضوئها مستقبله، ومسقبل فينزويلا، دون غش ولا تزوير.

فروسيا، مثلا، لا شغل لها اليوم سوى البكاء المر على الديمقراطية في فينزويلا، والتهديدباستخدام حق النقض (الفيتو مثلما كان ديدنها، في قرنٍ من الزمان، في الدفاع عن جميع الحكام القتلة واللصوص، ولا تخاف ولا تستحي.

والذي ينبغي أن يقال هنا هو أننا كنا سنؤيد إخوتنا العروبيين هؤلاء، ونضم تواقيعنا إلى تواقيعهم لو كانوا، بدفاعهم عن سيادة الدول وكرامات الشعوب، يقفون في خندق واحد مع أنظمة حكم ديمقراطية حقيقية عادلة عاقلة تحترم كرامة الإنسان، وتقدس حريته وأمنه ورزقه ورزق عياله، ولا تعتدي على سيادة دول أخرى آمنة مسالمة في العالم، وفي عالمنا الثالث المتخلف، بوجه خاص.

ومن حقنا هنا أن نتساءل، ما الفرق بين تدخل أمريكا وأوربا، أو روسا وإيران وتركيا،في فينزويلا، وقبلها في سوريا، وقبل قبلها في ليبيا والعراق وأفغانستان؟.

فالاستعمار هو الاستعمار، مهما كان لونه وشكله وأدواته، والعميل عميل حتى لو ألبسوه ثيابا من إستبرق مستوردة من جنة الفردوس.

وخلاصة هذا المقال أن الفرق بين الرئيس نيكولاس مادورو وبين خصمه خوان غوايدو هو أن هذا لأمريكا وحلفائها الأوربيين، وذاك لروسيا والصين وتركيا وإيران. أليس هذا هو الخبر اليقين؟