23 ديسمبر، 2024 12:54 م

سوق مريدي جرح بحجم العراق!

سوق مريدي جرح بحجم العراق!

موسم للجراح لا ينتهي أبداً، هكذا هو المشهد، على الرغم من إننا كنا ننتظر هطول الأمطار، لكن ما هطل هي الدماء! على طول أربعة قطاعات حية، نابضة بالحياة، والصبر، والشموخ، من مدينة الصدر المجاهدة، التي أعطت ما أعطت في حرب الثمان سنوات، بلا طائل ولا شرعية تذكر. بعد عام (2003) تنفست المدينة الصعداء، برحيل البعث القمعي الى مزبلة التأريخ، إلا أنها لم ترَ الراحة، وما زالت ترمى بحجر الظلم والاستبداد، لكونها شجرة مثمرة، فمنها خرج الأدباء، والرياضيون والولائيون، والمبدعون في كل شيء، فكانت على موعد مع الكرامة الأزلية، التي رحل بها موكب أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)، فطوبى لكم يا شهداء مدينة الشجاعة والجهاد.المسافرون عصر الأحد الدموي، كانوا في شوق ولفهة، الى خوض حياة لا موت فيها أبداً، فأين أنتم يا شراذم العصر وصعاليكها، من نفوس أبية رفضت الذل والخنوع، إلا لمعبودها الباريء (عز وجل)، فماتوا  بعزة وكرامة، وهم على يقين أن طريق الحرية طويل، ولم ولن ينتهي بهذه البساطة، دون أن تروى الأرض بدمائهم، من أجل عراق حر، وأبي وموحد. سوق مريدي لا يموت مطلقاً، رغم أن جرحه بحجم العراق، ويبقى رمزاً للكفاح والبقاء، والناس فيه يعيشون قوت يومهم، ولا يمتلكون فكراً متطرفاً، ولا تهمهم العملية السياسية، إلا بقدر توفير لقمة العيش الكريم، للطبقة الكادحة، ولا يهتمون أبداً للسيارات المصفحة، لأنهم ببساطة إمتداد طبيعي للطيبة المعروفة والكرم، الذي أمسى علامة مسجلة، بإسم العراقيين من أبنائه.أزقة هذا السوق يمثل مهرجاناً للتبضع، لا يهدأ تماماً يحترم رواده ومريديه، ويتداول فيه البسطاء كلمات الجنوب الجميلة (جا ومشتقاتها)، وتتصاعد فيها صيحات، وطقطقات الحناجر المسنة والشابة، وفيه السكراب لا يموت، والأثاث القديم أيضاً، فيعيدون الحياة لهما، ليصبح القديم جديداً، ليملأ بيوت الفقراء من الناس، وقناعتهم كنز لا يملكها أغلب ساستنا.الحرية بأنقى صورها، عندما تشاهد الطين الحر الشامخ، في ملامح وجوه الباعة، والمشترين على السواء، وللغدر كلمة قالها بخبث ونذالة الجبناء، فأخذت الأحبة دون إستئذان، ليلتحقوا الى باريهم، في يوم دموي مؤلم.  ختاماً: تناثرت الأجساد في السوق الصبور، ودبت لحظة موت وصمت في الوقت نفسه، فقد أعلنت الشهادة في عليين موعدها بالشموع، ليحاول الجبناء إيقاف الحياة في هذا السوق الكبير، لكن صور الموت رغم بشاعتها، أثبتت في نفوس الأحياء الفاقدين لأعزائهم، لوحات عظيمة بعظمة ما يسطره، أبناء الحشد المقدس في ساحات الجهاد، بشجاعة أبناء مدينة الصبر والحب.