في ظل غياب الاعتدال وانتشار التطرف الديني في الساحة العربية والإسلامية والناتج من غياب الفكر النقدي وتكريس منظومة التخلف وإعادة إنتاجها على نطاق واسع مقرونا بانتعاش الإرهاب السياسي والديني ـ السياسي وغياب منظومة فكرية نقدية بديلة تستحوذ على عقول الناس وتعيد الحياة إلى وسطيتها الجميلة, تنهال علينا يوميا كم هائل من الفتاوى الدينية لا حصر لها للتضييق على الحياة الحرة الكريمة وتشويه مكانة العقل وحصره في قوالب متحجرة ضيقة ضارة, والعبث في الحريات العامة والتدخل في تفاصيل الشأن الشخصي, والإفتاء بأدق التفاصيل ذات الصلة بمكانة الإنسان والتي تهدف في مجملها إلى عرقلة العقل عن الانطلاق بوظيفته النقدية الهادفة إلى إزالة التخلف التاريخي الذي لحق بالعالم العربي والإسلامي جراء التمسك بالفكر والخطاب الديني الكلاسيكي الذي ولد قبل قرون, وإبقاء حياة الحاضر والمستقبل أسيرة له !!!.
انتشرت في الآونة الأخيرة فتاوى وصلت إلى حالة الهذيان والهوس الديني بمقياس الحياة الحاضرة, بل والماضي, وعلى سبيل المثال منها لا للحصر, فتوى أرضاع الكبير( أرضاع المرأة لزميلها في العمل ), والزواج من الطفلات غير الحائضات أو الحائضات في مرحلة الطفولة, والتبرك ببول السيد وبصاقه, ومنع أكل الخضروات الشبيه بالعضو الذكري كالموز والخيار والجزر والكوسا خشية من استخدامها بديلا عن العضو الذكري و شريطة إيتاء الرجل لهذه الخضروات مقطعة وجاهزة للاستخدام, وعدم جواز السجود في ارض الملاعب من قبل اللاعبين لان السجود فقط لله في أوقات الصلاة, ثم فتوى تشبيه وجه المرأة لفرجها, وجهاد النكاح الذي انتشر في أوساط داعش وغيرها, وجواز شرب الخمر للنساء الحوامل إذا توحمن بذلك وخاصة للأوربيات المتزوجات من مسلمين, وجواز احتكاك المرأة والرجل في وسائط النقل حتى إذا وصل مرحلة القذف حسب الفتوى, وشرعنة الجنس مع الألعاب والدمى البلاستيكية المتشبهة بالأعضاء التناسلية لكلا الجنسيين, وشرعنة أشكال لا حصر لها من الزوجات المؤقتة !!!.
وتأتينا أيضا الفتاوى السياسية, من عدم التصويت لحزب دون غيره أو إيداع ورقة التصويت فارغة في صندوق الاقتراع إذا لم يكن لديك خيار ضمن الأحزاب الإسلامية, والتصويت أو عدم التصويت على دستور جديد لدولة ما, وجواز نهب المال العام في ظروف خاصة وشرعنة الفساد, وجواز الاستحواذ على مناصب ووظائف حكومية في الدولة مقابل الارتشاء, وجواز نهب المال العام من الدول الأوربية المضيفة للمسلمين والتحايل الضريبي, وشرعنة العمل بالأسود( العمل غير الشرعي ) في تلك الدول, وقد انتشرت اغلب هذه الفتاوى في البلاد العربية بعد الردة التي حصلت لثورات ” الربيع العربي ” و بعد سقوط بعض الأنظمة العربية الدكتاتورية بفعل عوامل خارجية كالعراق وليبيا وسيطرة القوى الدينية السياسية والمتطرفة في مفاصل الأحداث. ويلهث المشرعون وراء النص الديني من كتاب مقدس وأحاديث نبوية لتبرير فتواهم وإضفاء القدسية عليها !!!.
ومن أكثر الفتاوى جدلا وإيذاء لإنسانية الإنسان وحرمته وهو ميتا هو ما صدر من الشيخ عبد الباري الزمزمي ـ رئيس الجمعية المغربية للبحوث والدراسات ـ وفحوى الفتوة هو حق الزوج في ممارسة الجنس مع جثة الزوجة وهي ميتة وما أسماه ” بالحلال المنبوذ “, ويسوق المفتي الدليل من النص القرآني من سورة الزخرف في الآيتين 69,70 ” الذين آمنوا
وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون “, ونقلا عن قول المفتي : قال علي في عائشة إنها زوجة النبي محمد في الدنيا والآخرة, وبالتالي فان الموت لا يقطع صلة الزوج بالزوجة فهو يرثها, وهي زوجته حية أم ميتة. ويقول أيضا المفتي المذكور أنه عملا ممقوت ومنبوذ ولكن لا سبيل لأحد لتحريمه لان الفتوى لا تخضع للعاطفة, ما معناه تستند إلى النص الديني والأحاديث الداعمة !!!.
في علم النفس المعاصر يمثل نكاح الموتى أو الجثمانية احد الانحرافات الجنسية الخطيرة في اختيارها لموضوع الشريك الجنسي ألا وهو الجثة الهامدة, في هذا الانحراف يميل الفرد إلى المواقعة الجنسية مع جسم الميت. وقد يدفع بهم الانحراف إلى نبش القبور لتحقيق هذا الشذوذ أو القيام بالقتل لتهيئة هذه الإمكانية. وهذا ما يحدث أحيانا في بعض جرائم التعدي الجنسية عندما يقوم المجرم بقتل ضحيته وإدمائها قبل الممارسة الجنسية. هذا ومن الصعب تفسير هذا النوع من الانحراف, وان كان بعض المحللين النفسيين يرون فيه ما يعبر عن تعلق الجثماني الانحراف بأحد والديه المتوفيين وتكون الممارسة مع جثة الميت هي رمز للتوحد معه. ويرى آخرون في ذلك نوعا من الفكر التسلطي الإلزامي الذي لابد من طاعته وتطبيقه على الشريك الجنسي في الحياة أو الموت. ونعتقد إن النمط الأخير من التعلق بالجثة هو السائد لدى المشرعنيين لتخفيف وطأة هول الجريمة وإضفاء قدسية دينية على السلوك ألانحرافي المرتكب !!!.
أما من الناحية السيكوتاريخية فنعتقد إن هذا السلوك المنحرف هو امتداد طبيعي للاضطهاد التاريخي الذي تتعرض له المرأة, و بخصوص مجتمعاتنا العربية والإسلامية وأسوة بأغلبية بقاع العالم المتخلف, حيث العائلة البطريركية في ظل بنية اقتصادية ـ اجتماعية متخلفة, هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تؤسس لاضطهاد المرأة واستلابها, حيث يأخذ هذا الاستلاب طابعا مقدسا يستمد شرعيته من تفسير النصوص الدينية الوارد على ألسنة المشرعين والمفتين الذين يتدخلون بالتفاصيل الدقيقة لحياة المرأة وفرض الوصاية عليها, من طريقة لباسها وكيفية معاشرتها للآخرين وكذلك تقرير سقف ومدى مساهمتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, والتحكم بها باعتبارها تابعا للرجل وجزء من ممتلكاته الشخصية, كما وصل بهم الإفتاء إلى إباحة أجزاء من جسدها لغير زوجها ” كإرضاع الكبير ومفاخذته “, وإيجاد أشكال ظرفية عديدة ومختلفة من الزواج المؤقت, ويأخذ الاستلاب طابعا أكثر مرارة عندما يندمج الدين مع السياسية, ليتحول أكراه واستلاب المرأة إلى قوة قانونية ملزمة عليها من السماء والأرض, فلا نستغرب أن تكون جثة الزوجة امتدادا طبيعيا لسنة اضطهادها وهي حية, فهي ملك الزوج حتى وأن غادرت الحياة !!!!.
وتبدأ المرأة كمشروع للاستلاب منذ نعومة أظافرها, حيث تفرض عليها الوصاية التربوية والوعظية, خارج إطار والديها, من أخوانها الذكور الصغار والكبار, حتى إذا بلغت اشتدت دائرة الرقابة عليها من الجميع, ثم يستقبلها زوجها فيعيد إنتاج تربيتها وفق لما يرتئيه مناسبا له, بل حتى أطفالها الذكور يساهمون في ” تربيتها ” وفرض دائرة من الممنوعات على حركتها وحريتها الشخصية, وتتعرض إلى شتى مظاهر الإساءات كامرأة أو زوجة, من الإذلال وجعلها تشعر بعقدة الذنب, وإساءة معاملتها جسديا بالضرب والتهديد والوعيد, ومنعها من التعاطي بالمال وإيجاد فرص عمل لكسب المال وجعلها معتمدة كليا على مال الرجل أو اغتصاب مالها الخاص والتصرف به, وعزلها اجتماعيا ومنعها من الاتصال بالآخرين إلا بموافقات مسبقة وبشروط محكمة في الصرامة ومراقبة تحركاتها عن كثب, إلى أين تذهب ومع من تلتقي, وجعلها تشعر بالذنب أمام أخوانها أو أولادها وتهديدها من عدم رؤية أولادها وحتى ممارسة الضرب والأهانة لها أمامهم, وممارسة
الإكراه والتخويف والتهويل لها وإجبارها على القيام بمختلف التصرفات التي قد تؤذي فيها حتى نفسها, ولا نستغرب عندما يفتح باب الاجتهاد عليها وهي ميتة !!!.