تشهد الاسواق في بلادنا ارتفاعا بشكل غير مسبوق خصوصا المواد الغذائية , فأصبحت جمرا يكوي فئات واسعة من ابناء شعبنا , كان يمكن ان تكون تداعيات التضخم اقل ضررا وألما لو اتبعت الحكومة سياسة اقتصادية سلمية وعقلانية تستهدف الفئات الاجتماعية المضامة والمعوزة لتخفف عنها غائلة الجوع وتحتوي بعض ردة فعلها ..
الواقع الحكومة وقفت متفرجة على التهاب الاسعار وحين شعرت بخطورتها لجأت الى حلول ترقيعيه فشلت في اطفاء النار المستعرة , لم تعالج المسالة بعمق مؤثر ,على الرغم من معرفتها بأسباب الظاهرة التي من بينها :
اولا – سياساتها في عدم تقديم الدعم للقطاع الزراعي والصناعي الوطني للنهوض بالمنتج المحلي وتنميته وتقليص الاعتماد على الاستيراد لتحقيق الامن الغذائي .
ثانيا – رفع سعر صرف الدولار وتخفيض قيمة الدينار مما ادى الى ارتفع الاسعار بنسبة تتراوح بين (30-40) % في المتوسط .
ثالثا – عدم تقديم الدعم للمنتج المحلي وحمايته من المنافسة غير المتكافئة من قبل بلدان الجوار .
رابعا – لا يوجد خزين استراتيجي من المواد الغذائية الاساسية المتعارف عليه دوليا لاستخدامه وقت الحاجة والازمات لضبط حركة الاسواق .
خامسا – هزالة وقلة المواد مفردات الحصة الموزعة بموجب البطاقة التموينية لحماية الفئات والشرائح الاجتماعية التي تعتمد عليها في قوتها اليومي .
سادسا – لم تعد وزارة التجارة تمتلك القدرة على ضخ مواد الى السوق او استحداث اسواق خاصة بها لضبط حركة الاسعار .
سابعا – غياب الرقابة على الاسعار وحماية المستهلكين من جشع التجار والمضاربين بقوت الشعب .
ثامنا – في ظل الظروف الدولية الراهنة اثرت العمليات العسكرية بين روسيا واوكرانيا على الانتاج والتجارة الدولية وادت الى ارتفاع الاسعار عالميا , والبلاد بدون خزين استراتيجي يكفيها لعدة اشهر مثل بقية الدول.
تاسعا – ارتفاع اسعار النفط الذي بالضرورة يلازمه شيء من ارتفاع في اسعار مختلف السلع .
عاشرا – تضاعف اجور النقل منذ شهور الى البلدان المستوردة .
هذا فيض من غيض السياسات الحكومية غير السليمة المتبعة ولم تأخذ بنظر الاعتبار وتدرس بجدية والعمل على معالجة تداعياتها المؤلمة من الجذور , صحيح الحكومة اتخذت اجراءات ولكنها سطحية ,اوقفت الارتفاعات في بعض اسعار المواد الغذائية ولكنها مرشحة للارتفاع مرة اخرى , بل انها ماتزال ليست في نطاق القدرة الشرائية
لعموم المواطنين , ليس الفقراء منهم فقط , وانما شرائح مما تبقى من الفئات الوسطى , والامر من ذلك حتى غلاء المعيشة الذي منحته الحكومة حصر في اضيق نطاق ,كنا نتمنى ان تعلن الحكومة اعداد المستفيدين منه لنعرف مدى تأثيره .
ان الحل الجذري يكمن في تامين الامن الغذائي بنسبة عالية جدا من المنتوج المحلي , زراعة وصناعة , من خلال توفير مستلزماتهما وتأهيلهما , وضمان دورة عجلتهما , وبالتالي تغيير نسبة مساهمتهما في الناتج المحلي الاجمالي .
ان الاستمرار بهذا النهج يعمق من التوترات الاجتماعية ويشدد من احتجاجات الجوع التي تلقى تأييدا متزايدا ومشاركة واسعة , ويدفع نحو تمردات يصعب السيطرة وقد تحرق ردود الفعل الاخضر واليابس .