22 ديسمبر، 2024 7:24 م

سوسيلوجيا الاسلام … وعلي الوردي

سوسيلوجيا الاسلام … وعلي الوردي

السوسيولوجيا بالانكليزية sociology اي علم الاجتماع ، وسوسيلوجيا الاسلام هو عنوان رسالة الماجستير للدكتور علي الوردي رحمه الله ، التي حصل عليها من جامعة تكساس سنة ١٩٤٨ وباللغة الانكليزية .

ترجمت هذه الرسالة حديثا” وهي من المؤلفات غير المشهورة ، الا انها تمتلك رؤيا اجتماعية تاريخية كبيرة ومهمة جدا” وودت ان الخصها او الخص اهم ما تداولته هذا الرسالة لاهميتها الكبيرة بالنسبة للمجتمع العربي والاسلام على وجه الخصوص وتناقش اهم ركيزة من ركائز الصراع السياسي – المذهبي في تاريخ الاسلام .

يبتدأ الدكتور الوردي في رسالته بمناقشه وتعريف الباحث والقارئ عن ( المثالية والواقعية ) ويعتبرها ظاهرة طبيعة موجوده في كل طور من اطوار المجتمع الانساني وفي كل عنصر من عناصره ، اي بمعنى اخر ان لكل مسالة او معضلة او حدث ما ، يبرز رأيان رئيسيان في التعامل معها ، الاول هو الرأي الذي يطالب بحل المشكلة بطريقه مثالية جدا” كاملة وخاليه من كل العيوب او الاخطاء وهذا ما يطلق عليه بالمثاليه ، اما الرأي الثاني فانه يفترض التعامل بواقعيه في حل المشكلة او المعضلات والتغاضي عن بعض الاخطاء الناتجة بشكل عرضي وصولا” للاهداف المنشودة وتبرير بعض السلوكيات الخاطئة او كما يصفها نيكولا ميكافيللي ( الغاية تبرر الوسيلة ) .

ولكي نعطي بعض الامثلة على المثالية والواقعية خلال الممارسات الحياتية والاجتماعية الدائمة في حياتنا ، فيمكن ملاحظه العلاقة بين الاب والابن ، فالاب يوجه ابنه بمطالب مثالية والتحلي بالاخلاق وعدم الانجرار خلف الشهوات والالتزام والاتزان ، الى ان الابن لا يستطع المثول امام رغبات ابيه المثالية ، التي لم يلتزم بها الاب حين شبابه !! … كذلك العلاقة بين رب العمل والعامل او بين المهندس والمقاول ، يرغب المهندس دوما” بان يكون العمل في منتهى الدقة والجمال وينجز في موعده المحدد ، الا ان المقاول لا يستطع دوما” ان يحقق رغبات المهندس بسبب ظهور معوقات عمل جانبيه خارج اراده المقاول تمنعه من ان يكون الناتج مثاليا” كاملا” تلبيه لرغبات المهندس ، وغيرها من الامثلة الكثير .

لسنا في صدد الخوض في التعريف عن المثالية والواقعية ومعانيها الفلسفية ، الا انه من الضروري جدا فهم وتوضيح الفرق ليكون مدخلا” في تفصيل التحليل الاجتماعي – السياسي للاسلام كما يبينه الكاتب .

تبدأ القصة عند قدوم النبي محمد ص الى جزيرة العرب حاملا” معه المثل العليا ، في مجتمع تغلب عليه البداوه وقسوة الحياة التي تجبرهم على النهب والسلب واغاره القبائل بعضها على بعض لكسب قوتها واستمرار حياتها ، لم يتأثر بهذه المثل العليا الى القليل من الناس والذين اطلق عليهم لاحقا” بالمهاجرين والانصار ، الذين امنوا بمحمد ص وبصدق دعواه ورسالته ورضوا بالمثل العليا ان تكون هي الدستور والقانون الذي ينضم الحياة الدنيويه ورفض السلوكيات السابقة .

بعد وفاة النبي ، وفي المراحل المبكرة في تاريخ الاسلام ، ظهرت النزاع الاجتماعي – السياسي والذي عرف فيما بعد بالسنة والشيعة ، والذي تفرق فيها المسلمون الى فريقين ، كانت دعوات الشيعة الى الالتزام بالمثل العليا في الكثير من تاريخهم ومواقفهم وظلوا يعادون السلطات المتعاقبه ويتهمونها بالانحراف عن النهج المحمدي المثالي ، اما السنة والذين يشكلون غالبية المجتمع الاسلامي فقد ارتضوا ان يكون الحكام منهم وتغاضوا كثيرا” عن الممارسات السيئة للحكام لمبررات الاستمرار بالسلطة ، كما يتضح ذلك من بعض النظريات التي يتبناها السنة حول الحكام ( ان تبيت الامة على حاكم ظالم دهرا” خيرا” من ان تبيت ليلة بدون حاكم ) والذي يوضح مدى الواقعية في تعامل السنة مع السياسة والسلطة ، فبالتاكيد فقدان السلطة يؤدي بلا شك للفوضى والهرج والمرج وفقدان الامن وهلاك الحرث والنسل .

نحن لا نحاول في هذا المقال ان نفضل فئة على اخرى ، انما نحاول دراسة معضلة الاسلام من وجه نظر نفسية واجتماعية ، ولا نحن في مناقشة اي الفريقين على حق ؟ .. ممكن ان يكون كلاهما على حق وعلى باطل في آن واحد … فكيف للشيعة ان يكون لهم حكام