23 ديسمبر، 2024 10:34 ص

كان كالحلم، اسودا، لابل كابوسا، يعكر مزاجك طوال اليوم…حول حياتي من سوزي مدللة ابي، عاشقة احلامي الوردية، الى فتاة منهكة القوى، شاردة الذهن، تنزف الما وقهرا. لااعرف كيف تركنا بيتنا الفسيح الغافي على سفح الجبل لنكون على قمة هذا الجبل الموحش، بعد ان مررنا بهول العذاب، بعد ان رأينا الموت يلاحقنا.. ساقوا ابي ، اخي، امام عيني،استرقوا الفتيات والنساء، واخذوهن الى حتفهم المجهول، شباب حالمين متمرغين بدمائهم معفرين بالتراب، صبيان، صبايا يصرخون، كانه يوم الحشر.

هل ذهب كل شيء؟ أهي النهاية…. والدي ، اخي ، بيتنا، ذكرياتنا، شجرة التين بعمر مولدي، رائحة خبز التنور، وصخب النساء، ومسامراتهم وهن يفترشن الارض امام باب بيتنا، او بيت الجيران عند انقطاع التيار الكهربائي.. الهام التركمانية ، سعاد المصلاوية ، شريفة ، والاخريات. اي لعنة فرقتنا ، كتبي ، اوراقي ، همومي ، احلامي للدخول الى الجامعة … ياألهي…

كنت امطر الجبل بدموعي، يلفني ليل اسود فاحم، اتسائل، اين نحن…؟ اين الاخرين…؟ انه الثالث من أب، أب أللهاب، لكني أوصالي ترتعد من البرد، انها رياح الصحراء الجنوبية البارده، ولعنة الصحراء بعقول عفنه مجنونة حلت علينا. اي كلمة هذه ، داعش.. ماذا تعني؟

اختي الصغيرة مكورة بين ساقي تستمد منهما الدفء، والدتي افترشت الارض تعبا وتهذي.. رغم البرد، ألعطش يعتصرنا…؟

والدتي همست ” سوزي، اريد ماء”

أبكي….

” سوزي ساموت من العطش”

أبكي..

صغيرتي صاحت ” أنا أيضا أريد ماء”

اجهش بالبكاء.

والدتي ” سوزي اتصلي بأركان، أريد ان أكلمه”

على عجل الاعب موبيلي لأتصل به ، لايتصل ، احاول ، لايتصل …اخيرا، “انه اركان ياوالدتي” ….

والدتي تنادي ” أركان الحقني ، إنني أموت من العطش”.

أركان يصرخ ، يجهش بالبكاء. ” أين انتم يا أمي، كيف الحقك وانا في بغداد”… أمي تهذي بأي كلام …

ونحن نبكي، قلت له ” أركان نحن في قمة الجبل ، يبدو اننا ذهبنا في اتجاه والاخرين في إتجاه اخر، إطمأن ياأركان … أركان لاتبكي، لاتصرخ، ارجوك… ما أن تنحل العتمة حتى نلتقي بالاخرين… كفى، ليس عندي الكثير من الرصيد، ربما احتاجه فيما بعد”.

أه، هل حقا اتحمل هذا العذاب، انا وهذا الليل الموحش، المرعب، الخوف، الخوف من كل شيء، انتهت كل احلامي، الجامعة، سنوات عمري، وسهر الليالي. ياألهي، هل ترانا..؟ هل يرانا احدا في هذا الكون..؟ امي تموت امام عيني ، اختى الصغيرة، تموت امام عيني، وانا العاجزه عن فعل اي شيء الا قوتي التي استمدها من ضعفهما… هل هناك قطرات ماء ، وصلة خبز ….؟

الهدوء يلف كل شيء ، لاسمع إلا دقات قلبي التي تعلو خوفي ورهبتي، وهذيان امي …

أمي تهمس ” سوزان اين الماء”

جفت مقلتي من البكاء… اختى الصغيرة نامت بين ساقي ، اجس نبضات امي بقلب مرتعش .. الظلام يحطم اعصابي …مابين الخوف والرعب صرت أسمع تكسر الاغصان ، غشغشه.. ياألهي ماذا يكون! شبح أسود إقترب…. وقف امامي منتصبا، ناولني قنينتي ماء معدني.. لم ينبس ببنت شفه ، مرتجفة انظر اليه. اختفى بلمح البصر ، ماذا كان ..!

والدتي “هاهو الماء”، ارتشفت من القنينة البلاستيكية، روت عطشها، عادت اليها الروح..

سوزي” اين نحن ، لما لوحدنا ، كيف وصلنا الى هنا”.

يبدو اننا ابتعدنا عن الاخرين ياأمي ، مع وجه الصباح سنلقى الناس ، فقط لنصبر قليلا..

جلبة، اشباح من بعيد… لا انها من قريب …؟

أمي تهمس مرتجفه ” سوزي هل تسمعين ، هل وصل داعش الى هنا .. “

أسمع، مهلا ياأمي …

رجلين وإمراة ، وقطيع صغير من الاغنام هلل وجهينا ، اعاد الينا الروح … استوت امي جالسة.

قالوا” لما انتم هنا” .

اجبتهم .. “ضيعنا الطريق ولانعرف الاتجاهات”.

سألتهم “هل معكم شيئا من الطعام لنا ، من البارح لم ناكل شيئا”…. حلبت الإمراة عدة نعجات بما يعادل لتر من الحليب، شربت امي واختي الصغيرة، وانا .. عادت الينا الطاقة، قالو ” هيا لنذهب الى يوسفا ثمة ناس، وينبوع الماء. نحن نعرف الاتجاه …

اخذت بيد والدتي ، صرنا نشق الليل ، نترك خلفنا رائحة الارض، واشجار التين ، ولعنة سوداء خرجت من باطن الصحراء، يسمونها داعش.

* قصة قصيرة من واقع حياة مدينة سنجار حيث داهم داعش في 3/8/2015، المدينة.. مثلوا بهم ، فصلوا الرأس عن الجسد، سبو النساء ، نهبوها، جعلوها خرابا …

سوزان الان تقيم في هيكل للنازحين في كوردستان، والدتها تغالب الموت … من يومها لم تسمع خبرا عن والدها أو اخيها .