إن طرح فكرة بناء سور حول مدينة بغداد يذكرنا (بدولة المدينة ) عند الإغريق والرومان التي كانت سائدة في العصور القديمة , وكأن أصحاب هذه الفكرة يرسلون لنا (نحن العراقيون) رسالة مفادها ( سنعيدكم إلى عصور ما قبل التأريخ )!!!! , تلك العصور التي كانت فيها الدول عبارة عن مدن صغيرة تحيطها أسوار كبيرة تقيها من الأخطار الخارجية عندما كانت ثقافة الغزو منتشرة في تلك الأزمنة .
فهل وصل تفكير أصحاب القرار في الشأن العراقي إلى هذا المستوى من التردي وعدم القدرة على التفكير في وضع خطط ملائمة لإدارة الدولة والملف الأمني تتناسب والعصر الذي نعيشه اليوم ألا وهو أوائل القرن الواحد والعشرين ؟؟؟
إن فكرة بناء سور حول مدينة بغداد أياً كان شكله أو نوعه أو أدواته ما هي إلا تكريس لمفهوم التقسيم (أي تقسيم العراق) الذي يدور طرحه اليوم في الأوساط (المتسيسة) التي جاءت من خلفيات مخابراتية عالمية وإقليمية تحمل بين ثناياها أجندات لتقسيم هذا البلد خدمة للمشروع الصهيو- امريكي .
إن بغداد لا تحتاج إلى أسوار لحمايتها وإنما تحتاج إلى رجال دولة يأخذون على عاتقهم حمايتها من أولئك الذين يطرحون فكرة بناء السور .
وللمؤيدين لهذه الفكرة (اي فكرة بناء السور ) أقول : لو أن الأسوار تحمي البلدان والأوطان لما سقطت طروادة , فسورها العظيم لم يمنع الحصان من الدخول وبداخله الجنود الاسبرطيون .
إن الوضع الأمني المتردي في مدينة بغداد يتم علاجه من خلال تشخيص حقيقي للأسباب التي أدت إلى هذا الوضع , وهذا الوضع المتردي كما هو معروف ليس ببعيد عما يدور في العراق بشكل عام , فداعش لا زالت تسيطر على مساحات شاسعة من البلد , واخوة داعش من المليشيات السائبة لا زالت تصول وتجول في بغداد ومندسة في بعض تشكيلات الحشد الشعبي المقدس .
إما الحل الحقيقي فأنه يكمن في تكثيف الجهود الاستخبارية والعمل الجاد على بناء منظومة استخباراتية (على الاقل في مدينة بغداد ) تأخذ على عاتقها إيصال المعلومة إلى أصحاب القرار الأمني من اجل تفادي تلك الإخطار وتكون اساساً لبناء منظومة استخباراتية رصينة تشمل جميع المحافظات العراقية .
فبغداد هي عاصمة العراق من شماله إلى جنوبه وليست دولة مدينة .