رغم حديث بعض المتابعين عن وجود خلافات مفصلية بين التركي والأمريكي لما يسمى بمناطق النفوذ بشمال شرق سورية ،يبدو واضحاً ان ما وراء الكواليس لما يجري في الغرف المغلقة في أنقرة وواشنطن اليوم يظهر انّ هناك مشروعاً تركياً – أمريكياً يستهدف البدء بانشاء منطقة نفوذ مشتركة، وما مغازلة واشنطن الاخيرة لانقرة ما هو الا دليل، يؤكد ، ان الظروف السياسية وعلى الارض قد باتت مهيأه لانشاء هذه المنطقة وبحجج واهية،وإقامة مناطق “آمنة ” ستتحول حسب ما يخطط لها الأمريكي والتركي لمناطق حظر جوي بأقصى الشمال والشمال الشرقي السوري، وكلّ هذا سيتمّ بحجج إعادة اللاجئين السوريين الى وطنهم وتوفير مناطق آمنة لهم.
وهنا وليس بعيداً عن عمق وطبيعة التفاهمات التركية – الأمريكية بخصوص عودة الحديث عن المنطقة الأمنة ، فهنا يجب توضيح مسألة هامة ،وتزامناً مع استمرار حالة الغموض حول عودة الأنتشار الأمريكي في مناطق واسعة من شمال شرق وشرق سورية ،وتوسع دعم الأمريكي لمجموعات وميلشيات مسلحة في عموم هذه المناطق ،فـ اليوم لدى أنقرة مخطط واسع يشمل بسط نفوذها الكامل على مدن وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة،لتكون تحت الادارة التركية ، وتمتد على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 20 ميلا (32 كيلومترا). وأبرز المناطق المشمولة في المنطقة الآمنة، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرّين (محافظة حلب)، وعين عيسى (محافظة الرقة). كما ستضم حسب المخطط التركي مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية (محافظة الحسكة)… وكذلك ستضم حسب ما يخطط له الأتراك كلا من عين العرب (حلب)، وتل أبيض (الرقة).
ولكن هنا ،وفي شق آخر ،يجب توضيح مسأله هامة جداً،فهنا يبدو واضحاً انّ هذا المسعى التركي- الأمريكي ، المدعوم ببعض أجندة إقليمية ودولية لإقامة مناطق نفوذ “آمنة “بشمال سورية، سيصطدم بمجموعة «لاءات»سورية – روسية – ايرانية، رغم حديث البعض عن وجود تفاهمات ،ودعم روسي “للتركي ” بهذه الخطوة ،مقابل دعم سياسي تركي للروسي في الملف الأوكراني، ولكن الحقائق على الأرض تنفي وجود أي دعم روسي لبقاء هذه المناطق أو غيرها تحت سيطرة التركي “مستقبلاً ، إضافة الى «لاءات» إيران المعارضة لأيّ تدخل خارجي بسورية تحت أيّ عناوين، وعلينا هنا ان لا ننسى انّ الجمهورية العربية السورية ما زالت بما تملكه من قدرات عسكرية قادرة على إسقاط أيّ مشروع علني لتدخل خارجي مباشر أو غير مباشر بسورية ، وحديث الرئيس الأسد الأخير عن إدلب ،يؤكد ذلك .
ختاماً، هنا نستطيع أن نقرأ بوضوح وخصوصاً بعد أتضاح بعض التفاصيل عن مسار تفاهمات التركي والأمريكي بخصوص ما يسمى بالمنطقة الأمنة ومنطقة النفوذ المشتركة،أنّ القوى الاقليمية والدولية وخصوصاً أمريكا وتركيا، قد عادت من جديد لتمارس دورها في إعادة صياغة ورسم ملامح جديده لأهدافها واستراتيجياتها المستقبلية بالحرب المفروضة على الدولة السورية بكلّ أركانها، وما هذا التطور إلا جزء من فصول سابقة، عملت عليها الاستخبارات التركية والأمريكية ، منذ سنوات عدة ولليوم، فهي عملت على إنشاء خطط بديلة ، بحال تعثر خططها العسكرية ،والعودة للحديث الآن عن المناطق الآمنة ومناطق النفوذ المشتركة، يؤكد حقيقة تبني مشروع الحرب على سورية من قبل تركيا وأمريكا ، ووضع كل السيناريوهات اللازمة لانجاح فصول هذه الحرب ، و فكرة المنطقة الآمنة قد طرحت لأول مرة من قبل تركيا خلال الزيارة التي قام بها أردوغان إلى واشنطن في مايو / أيار 2013، والعودة لتبنيها اليوم يؤكد حقيقة ،ان مشروع الحرب على سورية لم ينتهي لليوم ،ومازالت دوائر الاستخبارات العالمية المنخرطة بالحرب على سورية ،تضع كل خططها البديلة موضع التنفيذ والتفعيل حال الحاجة لها ،ومن هنا فإنّ المرحلة المقبلة تحمل العديد من التكهّنات والتساؤلات حول تطور الأحداث على الجبهة الشمالية الشرقية والشمالية السورية، التي أصبحت ساحة مفتوحة لكلّ الاحتمالات، والآتي من الأيام من الأرجح سوف يحمل المزيد من الأحداث المتوقعة وغير المتوقعة ميدانياً وعسكرياً على هذه الجبهة تحديداً.