منذ أن بدأت الأحداث السورية -وأكرر الاحداث وليس الثورة لأن للثورة شروطها- وهي مثار تكهنات ومخاوف كبيرة سياسية ودينية. أسباب هذه التكهنات والمخاوف كثيرة: فمن جانب إنها حسب رؤية البعض الحلقة الاصعب ضمن حلقات ما سمي بالربيع العربي، ومن جانب وفقاً لرؤية أخرى إنها جزء من مؤامرة كبيرة أو بعبارة مخففة –لأن البعض يتحسس من مفردة مؤامرة ويريد ان نتخيل العيش في عالم ساذج نرى فيه الآخر دائماً بصورة المستعمر الطيب الذكي-جزء من عملية تغيير كبرى يُراد منها تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الامريكية أو دمقرطة الشرق الاوسط، ومن جانب هي وفقاً للبعض أيضاً انعكاس لنبوءات مقدسة أو أُريد لها أن تكون كذلك!!!
وهذا مما يصعب التكهن بصدقه ولكنه أداة جيدة لإثارة الحماس وتحريك كتل بشرية كبيرة بصورة سلسة دون الحاجة للكثير من التفسير وتقديم التبريرات.
ووفقاً للبعض أيضاً هي محل النزاع الاخير بين قطبي الحرب الباردة، وهي محور النزاع بين ايران والغرب، وهي قطب الممانعة في المواجهة مع اسرائيل.
هذه الاعتبارات مجتمعة أو جزء منها تزيد من صعوبة وكثرة التكهنات والمخاوف.
خاصة إذا أخذنا غرابة الموقف السوري ما قبل الأحداث تجاه ما يجري في العراق والمنطقة وطبيعة العلاقة ذات الظاهر المتناقض.
ولاغرابة فالعمل المخابراتي تحكمه معادلات تختلف في رؤيتها واداوتها في كثير من الاحيان عن ظاهر السياسة!!!
الموقف الامريكي وتبعاً له الموقف البريطاني من أحداث سورية تذبذب ظاهراً بين مستويات مختلفة ولكنها لم يصل في تصعيده إلى مستوى الدعم العسكري الواضح أو التخطيط والتلويح بعملية عسكرية.
لكن الموقف تغير الآن والتصعيد واضح من أمريكا ووصيفتها!
فلماذا هذا التصعيد الآن؟
وما الذي قد ينتج عن عملية عسكرية لتغيير نظام الحكم في سوريا؟
بالنسبة لتوقيت التصعيد فلاشك إن لتأخر إنجاز تغيير النظام السوري عبر الأدواتالعرعورية وتنامي مستوى من الرفض الدولي لأكل الاكباد وغيرها من ممارسات العراعرة، وامتداد تأثير التحشيد لما يسمى بالجهاد إلى مستويات أبعد مما كان يتصور فصار الليبي يقاتل جنباً إلى جنب مع الشيشانية!
لاشك إن لذلك تأثير كبير في التوقيت، فالوضع في سوريا وصل إلى كاد إلى ما يشبه افغانستان في سبعينيات القرن الماضي!
وبالطبع للموقف الروسي وتداعيات الاحداث الاخيرة خاصة ما يتعلق منها بسنودن وبرنامج برزيم دخل في اختيار التوقيت، كما إن تراجع مؤشرات الاخضرار في الربيع العربي ومصر وثورتها الثانية دخل في ذلك.
كم لا بد ان لا ننسى احداث تهريب السجناء وما تبعها من غلق غير مسبوق للسفارات الامريكية!
ما الذي سينتج عن تدخل عسكري مباشر في سوريا -إذا ما سارت الامور على نفس وتيرتها الحالية فإن التدخل حادث لامحالة إلا اذا ما صعدت روسيا وايران من لهجتها أكثر وبادرت إلى تحركات رادعة- نحن هنا أمام احتمالين:
الاحتمال الأول: استمرار مقاومة النظام السوري أو جيوب له خاصة مع وجود الدعم الروسي والايراني، وهذا بدوره سيجعل من سوريا ساحة معركة يصعب التكهن بنهايتها وتأثيراتها.
الاحتمال الثاني: تكرار النموذج العراقي أي تشكيل نظام سياسي محمل بالكثير من السلبيات واسباب الفشل والافشال.
والاحتمال الأول هو الارجح برأيي فيما لو تم التدخل.
فضلاً عن الاسباب المعلنة من التفاعل مع ثورة محلية وربيع عربي في سوريا ومن السعي لبناء نظام ديمقراطي تعددي وحماية حقوق الانسان وغير ذلك، فإن التدخل الامريكي في سوريا سواء بصورته الحالية أو بصورته الاوسع فيما لو تم التدخل عسكرياً له اسباب أخرى تقع في عرض الاسباب التي ذكرناها أو تكون تلك الاسباب غطاء لها و يمكن ان نذكر منها:
1-المواجهة مع روسيا بعد العودة الروسية أو محاولة العودة إلى مستوى التنافس سياسياً واقتصادياً.
2-تدمير اقتصاد المنطقة –شهدت أسواق المال في دول الخليج تراجعاً حاداً هذا اليوم- أو إعادة رسمه وفقاً لأسس جديدة.
3-المواجهة مع إيران عبر بوابة سوريا والمنطقة.
4-المواجهة مع الصين عبر إعادة تشكيل المنطقة والتي أصبحت أحد المنافذ المهمة لنمو الاقتصاد الصيني.
5-إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح إسرائيل.
6-تنفيذ أجندات سياسية أو إيديولوجيات معينة أو رؤى دينية.
بأخذ كل ذلك بعين الاعتبار فإن الوضع السوري يتقدم بالتأزم ومفتوح على خيارات كثيرة أحلاها مر ويصعب توقع نتائج ايجابية في المستوى المنظور حالياً.