شنت قوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً عاصفا “أطاح بنظام بشار الأسد وأنهى دكتاتورية عائلته التي استمرت خمسة عقود في سوريا.
سوريا، الدولة ذات التاريخ الغني المتنوع، تقف الان في منعطف حرج . حيث تواجه الأمة مسارين متناقضين بشكل صارخ: الحكم الديني الثيوقراطي أو الحكم المدني. لن يحدد هذا الخيار المستقبل السياسي لسوريا فحسب، بل سيشكل أيضًا هويتها ومجتمعها ومكانتها العالمية لعقود قادمة . اضافة الى انسحاب تأثيرها على منطقة الشرق الاوسط كلها .
إن الثيوقراطية الدينية، التي تتميز بالحكم على وفق مبادئ إسلامية صارمة، قد تجذب شرائح عديدة من سكان سوريا الذين يعتقدون أن مستقبل البلاد يكمن في العودة إلى جذورها الروحية والأخلاقية ، ويفرض العدالة في أعقاب الفوضى.
الا إن الحكم الديني يخاطر بتنفير السكان السوريين المتنوعين وخصوصا العلويين والمسيحيين والدروز والكرد، من بين مجموعات أخرى . ويعرض البلد للانقسامات الطائفية وتهميش الأقليات .
كما ان الحكم الديني يعيق الحريات وبعض الحقوق، خاصة بالنسبة للنساء وغير المسلمين، وقد يؤدي الى عزل سوريا عن جزء كبير من المجتمع الدولي .
لايمكن التأكد من نوايا كل طرف، لرسم خارطة الوضع المستقبلي في سوريا ، خاصة وأن التنظيمات العاملة ليست مركزية، بل هي تحالفات محلية للغاية، لا تسيطر في بعض الأحيان الا على منطقة واحدة .
ومع ذلك فاننا امام امرين ، إما احتكار الحكم من قبل اي طرف، أو تقاسم السلطة مع الحركات الأخرى .
من الناحية النظرية يصعب على هيئة تحرير الشام وهي منظمة إسلامية متشددة الاستفراد بالسلطة لوجود خليط من مجموعات ذات أيديولوجيات متضاربة وطموحات متباينة لايمكن الاستهانة بها ، مثل الائتلاف الوطني السوري ، وقوات سوريا الديمقراطية ” قسد “. وغيرها .
ان مخاطر الاستئثار بالسلطة كبيرة وقد يعيد سوريا إلى الحرب الأهلية مع تجدد الأطراف. . إذا حدث السيناريو الأخير دون أن يبسط الجيش المركزي سيطرته على أجزاء كبيرة من الأراضي، فقد تكون الكارثة مطلقة، وتذهب سوريا الى التقسيم . ومن المؤكد أن الكيانات الناتجة عنه ، ستكون عاجزة عن مقاومة التدخل الخارجي، وستصبح مناطق نفوذ لدول الجوار، حيث ترى في ذلك فرصة لدفع أجندتها ومطالبها الأمنية.
في المقابل يقدم الحكم
الديمقراطي المدني طريقا للإدماج والتقدم من خلال رؤية للتعددية والحريات الفردية والتمثيل المتساوي .
يمكن لنظام ديمقراطي حقيقي مشاركة السوريين من جميع الخلفيات في السلطة ، وضمان قيام الحكم على توافق الآراء بدلاً من الإكراه .
من خلال إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والعدالة والسياسات الشاملة، يمكن لسوريا إعادة بناء مجتمعها المتصدع وتعزيز الوحدة.
لكن الديمقراطية لا تخلو من التحديات. لقد تركت عقود من الاستبداد في ظل نظام الأسد المؤسسات السورية ضعيفة، في حين زرعت سنوات من الصراع عدم الثقة والانقسام بين المجتمعات. وسيتطلب إقامة ديمقراطية مستقرة بذل جهود كبيرة في المصالحة وبناء مؤسسات الدولة على أسس رصينة. علاوة على ذلك، قد تقاوم القوى الإقليمية والميليشيات التي تتنافس على النفوذ الإصلاحات الديمقراطية، خوفا من فقدان السيطرة .
وهنا تلعب الضغوطات الدولية دورًا حاسما في توجيه وتشكيل مستقبل سوريا.
في الوقت الذي دعمت بعض القوى العالمية والإقليمية الفصائل المسلحة التي تروج للحكم الثيوقراطي، دافعت قوى أخرى عن المثل الديمقراطية .
والمنافسة المستمرة بين هذه المصالح تعقد المرحلة الانتقالية في سوريا.
من أجل دولة مستقرة وسلام مستدام، يتوجب على المجتمع الدولي دعم التوجهات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني والأطر السياسية الشاملة التي تعطي الأولوية لأصوات السوريين العاديين على الأجندات الخارجية.
ان اختيار سوريا بين الثيوقراطية الدينية والديمقراطية المدنية ليس مجرد قرار سياسي بل هو انعكاس لرؤيتها المستقبلية .
وسيشكل الاتجاه الذي تختاره سوريا مصيرها وسيكون بمثابة درس قوي للدول التي تتصارع مع معضلات مماثلة. والطريق أمامها غير مؤكد، ولكن إمكانية مستقبل أكثر إشراقا ووحدة لا تزال في متناول اليد .