ليس هنا نقدم خطاب”هل أنت مع؟”
أو خطاب “هل أنت ضد؟”
بل نزعم أنا نتحرك بخط تقديم ما وراء اللعبة للشعب العربي بعيدا عن خطابات إعلامية استعراضية عاطفية تتحرك بما هو ليس واقع بل ما هو دعاية بعيدا عن حقيقة الأمور.
ماذا سيحدث في المنطقة في حال حدوث ضربة عسكرية علي الدولة في سوريا؟
في واقع الحال لا أحد يعرف مدي حجم الرد السوري علي الضربة العسكرية الخارجية و الذي هو عدوان بكل المقاييس العلمية و خاصة أنه يستند علي ما يبدوا أنه حالة سينمائية بامتياز من صناعة الوهم بما يخص الكيماوي و استخدامه , حيث إلي كتابة هذه السطور ليس هناك دليل , و لا تقرير محايد بل حتي لا يوجد حتي تقرير أمريكي أو غربي منحاز!
أن ما يحدث كله يستند علي “وهم” وصناعة مشهد للموت بصورة فوتوغرافية! لعل من رتب الموتى و القتلى الذين هم مظلومين و شهداء بكل الأحوال في هذه الصورة المرعبة , نقول أن من قام بترتيب هؤلاء لعله أشد أجراما ممن قتلهم , حيث نري ترتيب الأيدي و صف الجثث بطريقة هندسية و تموضع مصور لأخذ الصور!؟ كل هذه صناعة لسينمائية مشهد و ليست نقل للواقع كما حدث.
و لعلها أحد مفارقات التاريخ حيث يسخر الرئيس بوتين من الرئيس الأمريكي و يتحداه بتقديم أدلة و براهين فيما يبدو إلي ألان علي أنه صناعة “فيلم” بشيطنة خبيثة.
ولكن ما هو مهم أن أي رد و أي قرار لسوريا من الضربة هو ما سيحدد مسار الإحداث, فمن السهل البدء و الابتداء بالحرب و لكن السؤال الأهم ما هي النهاية؟
أن من يصنع التاريخ في هذه الرحلة هو قرار الأجهزة الاستخباراتية السورية و أداء الجيش العربي السوري علي الأرض.
فما يقال عن ضربة “محدودة”! ليس شرطا أن تظل “محدودة”؟.
ضمن سياق الإحداث الدموية و صراع الإمبراطوريات الدولية علي أرض سوريا , أن من يريد الحل العسكري هو من يريد تعطيل الحل السياسي وأحداث انتقال سلمي للسلطة شبيه و كتكرار لتجربة ما حدث بدولة “جنوب أفريقيا”.
أن هناك رغبة أمريكية غربية أستكبارية لمنع أي حل سياسي يوقف القتل و الموت في سوريا لأن الحل السياسي كما حدث في جنوب أفريقيا ليس مطلوبا في سوريا بل المطلوب هو تدمير الجيش العربي السوري بالأفغنة الصوملة العرقنة سمها ما شئت فأن ما يجري في سوريا أخرج لنا مصطلح” السَورنة”.
كاتب هذه السطور لديه قناعة أن النظام الحالي في سوريا “غير قابل للإصلاح السياسي” لأن في أي عملية أصلاح حقيقي دمار و تدمير للنظام كله لأنه من خلال الدمقرطة يتم حل مشكل النظام الأساسي الذي صنع الغضب الشعبي عليه و هو برأيي تصرفات الأجهزة الأمنية و اشتغالها بالتجارة و انتهاك حقوق الإنسان بدون حتي مبرر حقيقي و سقوط أي شيء له علاقة بصناعة دولة حضارية نموذج للآخرين من حيث المعيشة و الخدمات الأساسية من سكن و صحة و تعليم وغياب تحرك الإنسان كفرد ضمن نظام قانوني يستطيع التعامل معه حسب الآليات القانونية ضمن مؤسسات متأسسة علي دستور شعبي توافقي يتم حل تناقضات الناس و المجتمع من خلاله و تحت سقفه.
قناعتي هي أن أقصي ما يستطيع النظام في سوريا تقديمه هو “واجهة” لمؤسسات ديمقراطية و حرية رأي و صحافة حرة في الواجهة و لكن في العمق تظل الأجهزة الأمنية المتداخلة و المتشابكة هي الحاكمة ,كتكرار للمشهد اللبناني الذي كان موجود منذ 1990 إلي 2005 .
ولكن فلنخرج من قناعة كاتب هذه السطور لنقرأ ما قدمه النظام في سوريا علي أرض الواقع من حل سلمي رفضه الغرب جملة و تفصيلا.
وافقت الدولة في سوريا علي تشكيل حكومة انتقالية ترأسها المعارضة , و يتم سحب صلاحيات الرئيس , كتابة قانون انتخابات جديد يهيئ لانتخابات جديدة يتم تأسيس برلمان يضع دستور جديد و عمل انتخابات رئاسية.
عمليا ما وافقت عليه الدولة في سوريا يعني سقوط النظام علي أرض الواقع و أعادة تاريخية لتجربة جنوب أفريقيا و لكن لأن في الحل السياسي “حفظ للجيش و بقاء له”
فأن “المعارضة المرتبطة و المصنعة خارجيا رفضت الحل السياسي خدمة لمشاريع من صنعها وفبركها و غداها بكل مجانين الأرض من تنظيم القاعدة و التكفيريين .
أن معارضة كهذه تم تجميعهم ك”قطع غيار بشري” من حملة الجنسيات الأوروبية من العاطلين عن العمل و الذين عمليا انفصلت حياتهم و معاشهم و عائلاتهم عن كل ما هو عربي , أن هؤلاء ليسوا “معارضة سياسية” هؤلاء أوباش من سقط متاع الأرض يتم تفعيلهم كيافطات لمشاريع غربية استعمارية كما حدث في العراق الجريح حيث تم تجميع العاطلين عن العمل و صيع الأرض من شوارع أجور رود في لندن و ناصر خسرو في طهران.
نحن نقول أن من هم معارضة معروفة خارج الفبركة الاستخباراتية , هي معارضة يجب عليها أن ترفض الاستبداد الداخلي و العدوان الخارجي.
أن معادلة شيطانية كالتي تقول أن تكون مع الاستبداد الداخلي أن تكون ضد العدوان الخارجي أو أن تكون مع العدوان الخارجي فأنك ضد الاستبداد الداخلي , أن هذه المعادلات هي شيطنة إعلامية و محاولة لأستحمار الشعوب العربية.
فنحن نقول :
نحن ضد العدوان الخارجي وأيضا ضد الاستبداد الداخلي هذه هي المعادلة الصحيحة.
ولعل استعداء الخارج المتآمر علي الوطن بطلب قوي استعمارية أخطر من الاستبداد الداخلي لأن الهدف هو دمار “وطن” وليس إسقاط “نظام” و الدليل بالأسفل:
فالنتحرك بقراءة الوثائق و ما هو منشور و معلن خارج أطار الدعايات التلفزيونية و خارج أصوات البروباغندا الإعلامية لنفهم ما وراء اللعبة و هذا كلام وثائق تتحرك في خط التطبيق و ليس كلام عن “نظرية مؤامرة!”
ماذا هناك؟
علينا أن نقرأ التوصيات النهائية لمؤتمر هرتلسيا في أبريل من هذا العام 2013 , و هو المؤتمر السنوي الذي يشارك فيه كل خبراء الصراع العربي الصهيوني من كل العالم و السلطات التنفيذية و الاستخباراتية بالكيان تشارك و تلتزم بتطبيق التوصيات و مقررات المؤتمر وهذا المؤتمر وظيفته رسم و توجيه السياسيات المستقبلية للصهاينة و يتم عقده في قرية فلسطينية قديمة تم إلغاء اسمها و تزويره و وضع أسم هرتزل كاسم للقرية و تقع شمال مدينة “تل الربيع الفلسطينية” و التي سرق و زور الصهاينة أسمها إلي “تل أبيب!”.
أذن حركة الصهاينة علي أرض الواقع ترسمه قرارات هذا المؤتمر و توصياته , الذي قرر أمور خطيرة و منها أقراره بأن سوريا هي المحور الاستراتيجي الأهم , و خاصة بما يتعلق بالجيش العربي السوري , و هو أخر جيش حقيقي قادر و يستطيع الحرب و الدفاع و الردع و يمتلك عقيدة قتالية و تتحرك دولته ضمن مشروع للتحرير.
يشير التقرير إلي منع فقدان السيطرة علي أسلحة هذا الجيش , مما قد “يُلزم” القيام بخطوات عسكرية “دولية”؟
طبعا كل هذا الخطر موجود في حال نجاح المشروع السوري بخلق الجبهة المشرقية كقوة فارضة للسلام مع الكيان الصهيوني يتم فيها تحقيق أعادة “كاملة” للجولان المحتل و تحقيق نوع من التسوية العربية الفلسطينية ضمن موقع القوة الحالي كتكتيك علي أقل الأمور, و هذا المشروع هي نظرة براغماتية باردة يتحرك فيها السوريين كدولة و لست أقول كنظام ضمن قراءتهم للواقع العربي و الدولي و ضمن تراكم خبراتهم ضمن صراعهم مع الصهاينة, و هذا المشروع لا يهتم السوريين بأي أثارة إعلامية من هنا و أي استفزاز كلامي من هناك أو بأي مزايدات خطابية من هنالك فهم صبورين بطيئين ملتزمين بخطتهم كقوالب الثلج لا تذوبها حرارة الإعلام الاستعراضي.
كل هذا منتوج خبرة تعامل بالطبع فالسوريين جربوا الحركة مع الاستعراضات الإعلامية والمزايدات الخطابية و واجهوا سقوط مدوي علي أرض الواقع و هذا ما حدث ف 1966 و 1967 فلذلك هم جربوا و تعلموا و تغيروا فاتخذوا مشروع أخر و هو ما ناقشناه بالاعلي.
إذن نجاح هذا المشروع الذي يتقاطع و يتكامل مع مشاريع أخري بالمنطقة مما يتحرك فيه الروس و الصينيون و الجمهورية الإسلامية مما يخلق تنسيقا مصلحيا بامتياز , وهذا كله يشكل خطر علي الكيان الصهيوني في حال تشكل “شرق أوسط جديد!” ترسمه هذه المشاريع و ليس “شرق أوسط جديد” ترسمه مشاريع الأمريكان بالمنطقة!
مما سبق كله أصبح إلغاء الجيش العربي السوري من الوجود حاجة صهيونية و المنفذ يجب أن يكون “دوليا”.
طبعا يوصي المؤتمر بخلق و تركيز الصراع السني الشيعي بالمنطقة و خلق حالة من العدو البديل للعرب وهم المسلمين الشيعة! و خلق من الجمهورية الإسلامية المقامة علي أرض إيران “بعبع” شيعي يخاف منه العرب وهذا كله عملية صناعة عدو “وهمي” و هي محاولة لأستحمار العرب طائفيا بعيدا عن عدوهم الحقيقي.
أن الحل العسكري للمشكل الداخلي السوري وصل إلي طريق مسدود , و يراد لسوريا أن يتم استنزافها مع تدمير الجيش النظامي ليتم أخراج سوريا من ساحة الصراع العربي الصهيوني و تدمير إستراتيجية سوريا”الدولة” لفرض توازن إستراتيجي ضمن جبهة مشرقية يفرض السلم و يعيد الجولان المحتل , لذلك المطلوب تدمير الجيش و خلق كانتونات طائفية في سوريا تتصارع فيما بينها و تكون سوريا عند تلك النقطة كالسرطان الذي يقذف أجزائه المميتة من الموت إلي محيط سوريا العربي من لبنان إلي الأردن و الخليج العربي, لتتفجر المنطقة العربية كلها بحروب طائفية تصنع الفوضى الخلاقة كما يريد الأمريكان بتناغم موسيقي مع الصهاينة , وهذا كله منشور و موثق في إستراتيجية إسرائيل الكبرى بما يعرف بمشروع آيتان شارون و هذا ما أكده مؤتمر صنع سياسات الصهيونية في هرتلسيا..
هذا من ناحية و لكن من ناحية أخري فلنحاول قراءة ما هي ردود أفعال حلفاء السوريين؟
في رأي كاتب هذه السطور أن الجمهورية الإسلامية المقامة علي أرض إيران لن تتدخل مباشرة
إذا كانت الضربة “محدودة!” ولكن لعله من الواضح أن الجمهورية الإسلامية في حال الضربة الشاملة فأن التدخل سيكون شامل أيضا, لأن الضربة في سوريا و لكن الهدف هو الجمهورية الإسلامية المقامة علي أرض إيران.
وفيما يخص روسيا فمن الواضح أنها لن تتدخل عسكريا بشكل “مباشر” لأن ذلك يعني حرب نووية مفتوحة, و لكن من الأكيد أنه سترد علي العدوان علي سوريا بشكل “غير مباشر” من خلال دعم الجيش السوري , و من حيث تزويد الجيش العربي بسوريا بسلاح يقلب التوازن , وهذا غير الكلام المتكرر عن منظومة صواريخ اسكندر و فهناك حديث يجري منذ فترة بين الأوساط الغربية عن الكيفية التقنية التي أسقط بها الجيش بسوريا الطائرة التركية و التي هي طائرة تتحرك بتقنية لحلف الناتو, فواضح أن لدي السوريين ما هو جديد؟
والأخطر بالنسبة لدي الغرب هو ما يتم تداوله عن تزويد الروس لحلفائهم السوريين بسلاح “قالب للتوازن” و هو نفس الكلام إلي يتردد تجاه المقاومة الإسلامية , و هذا القلب للتوازن الموجود بالغموض حاليا هو ما فسره البعض بتغير الخطاب السياسي للسيد حسن نصر الله و تصريحه بأن الصراع هذه المرة سيكون علي أرض فلسطين المحتلة.
ولكن علينا أن نتحرك من كل هذا بنقطة مهمة تستخدمها المقاومة و الجمهورية الإسلامية من ورائها و هي صناعة “صندوق للغموض”؟
ماذا نقصد؟
أن خلق حالة من “الغموض” بخصوص ما لدي حزب الله و الجمهورية الإسلامية من قدرات عسكرية قتالية هو جزء من برنامج الحماية الذاتي و هي لعبة سياسية ذكية جدا تتلخص بالانغلاق علي الذات و خلق حالة من عدم المعرفة لدي الأخر المتآمر و أيضا الابتعاد عن الاستعراضات الكلامية مما يخلق خوف من المجهول لدي الأعداء , و في حالة الجمهورية الإسلامية المقامة علي أرض إيران نستطيع أن نضيف مسألة تعدد الخطاب الإعلامي لديهم و أيضا تعدد رؤوس الدولة مما يتيح فرصة للمناورة و أيضا للتراجع عن أي تصريح أعلامي مثير للأخر ,و كل هذا يصب في مصلحة سياسة ” صندوق الغموض” و هذا أيضا يخدم الخط البراغماتي المصلحي التي تتحرك به الجمهورية الإسلامية ضمن مشروعها في المنطقة.
وما يخيف الغرب و الاستكبار بشكل عام بكل مراكزه العالمية هي رسالة قديمة قدمها نفس
“صندوق الغموض” المتمثل بحزب الله و الجمهورية الإسلامية و هو ما حدث أعقاب اغتيال المرحوم السيد عباس الموسوي , و هو الرد علي الاغتيال الذي حدث في الأرجنتين , و أن لم يعلن أحد من أركان “صندوق الغموض” مسئوليتهم عن التفجير, و لكن الرسالة واضحة كل الوضوح , و هي أننا “نقدر” و أننا ” نستطيع”.
الرسالة تقول:
لدينا مراكز أستخباراتية تصل إلي الجزء الأخر من العالم ,فأذن نستطيع الوصول إليكم أيضا , و لدينا القدرة علي العمل بكل مكان و التفجير بأي موقع و الانسحاب بكفاءة من غير أن نترك أي دليل, وهذه دلالة اختيار الأرجنتين كموقع للرد علي اغتيال الشهيد عباس الموسوي , و المسألة واضحة و الرسالة من ” صندوق الغموض” وصلت , و الاستكبار بكل أركانه و مراكزه ليس غبيا لكي لا يفهم.
[email protected]