18 ديسمبر، 2024 6:52 م

سوريا…دراسة الداخل و انتظار تسوية الخارج”

سوريا…دراسة الداخل و انتظار تسوية الخارج”

علي من يريد أن يفهم الحال الداخلي للدولة في سوريا إن يعرف أنها نموذج لاقتصاد الدولة من حيث تأمين الصحة و السكن و الدعم الغذائي…الخ و هذه الدولة التي كانت أداة و وسيلة تحول اقتصادي و تغيير نهضوي التي استوعبت طبقة رجال الإعمال القديمة و في نفس الوقت خلقت طبقة رجال أعمال جديدة و لكن هي طبقة جديدة مرتبطة بالأجهزة الأمنية  في بلد نفطي زراعي سياحي يعتمد علي المساعدات الخارجية و بقاعدة من أصول أموال لمهاجرين سوريين تصل إلي ثمانون إلف مليون دولار.
 
أن هذه الدورة النهضوية الاقتصادية التي قادها حزب البعث الجناح اليساري توقفت عند منتصف الثمانينات حيث ابتدأت دورة الفساد بثنائية “رجال الأعمال و الأجهزة الأمنية” التي تم السماح لها بالعمل بالتجارة لسبب غير معروف و أيضا غير مفهوم من رأس الدولة الرئيس المرحوم حافظ الأسد الذي كان و ظل إلي وفاته يعيش تقشف ثوري معروف للجميع و ظل يعيش في شقته الصغيرة في حي المزة إلي يوم وفاته و حتي أولاده لم يميزهم عن بقية الناس ضمن حالة التقشف الثوري وهذا بالتأكيد أكسبه شعبية مهمة و لكن لماذا سمح بدورة الفساد وهو الحاكم المسيطر هو سؤال لا أعرف الإجابة عليه؟!
 
ضمن دورة الفساد التي بدأت بمنتصف الثمانينات و توقف النهضة و تراجع انجازات السبعينات و متاعب انخفاض عائدات النفط و مواسم الجفاف و هبوط تحويلات المغتربين السوريين و حصار دولي شامل نتيجة استقلالية القرار السياسي السوري.
 
هذا كله شكل  بداية دورة الفساد السوري ونهاية نهضة السبعينات ضمن دولة البعث القومية بدأ آنذاك المشكل السوري بتفجر الفارق الطبقي بين دورة الفساد ثنائية الرؤوس(رجال الإعمال و الأجهزة الأمنية) وباقي الطبقات الشعبية السورية .
 
أزداد الفقر و انتشرت البطالة لعشرين بالمائة من قوة العمل ناهيك عن نمو سكاني لا تقابله تنمية مقابلة و طبعا هذا كله ضمن استبداد داخلي يستخدم نفوذه بالأجهزة الأمنية لتحقيق و تصنيع عائلات تجارية و شبكة علاقات اجتماعية مرتبطة بدورة الفساد الثنائية المذكورة أعلاه.
 
هذا كله شكل قاعدة لدخول التأمر الخارجي الذي لا يهدف إلي ضرب الاستبداد الداخلي و لكن إلي ضرب استقلالية القرار السوري الاستراتيجي بما يخص الصراع العربي الصهيوني و محور الإستراتيجية السورية  بفرض السلام علي الصهاينة وراعيه الدولي الاستكباري بما يعيد الجولان المحتل و يقدم “نوع” من الحل للفلسطينيين و من ضمنها حق العودة و ما شابه.
 
إذن حصل فشل سوري في مشروع النهضة و لم تستطيع تكرار نموذج الصين التي صنعت نمو اقتصادي في ظل قمع داخلي !
 
أذن ثنائية(رجال الإعمال و الأجهزة الأمنية) كونت ضمن العلاقات العائلية للأجهزة الأمنية شبكة سرطانية للمصالح التجارية زادت معها البطالة و الفقر و الاستبداد الداخلي المرتبط بمصالح هؤلاء و ليس له علاقة بحماية الدولة من التأمر الخارجي.
 
إذن كلما كبرت ثنائية دورة الفساد السورية كلما زاد الغضب الشعبي و كلما كبرت مصالح تلك الثنائية كلما تدمرت منجزات الدولة القومية بسوريا بما يخص الطبقات الشعبية و الوسطي و أصبح مفتاح الاستثمار الأجنبي داخل سوريا هو علاقات الشركات الدولية العابرة للقارات بتلك الثنائية الفاسدة مما يفسر غياب أو تأخير أو قل عدم رغبة الشركات الدولية المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات  بالضغط علي الدولة السورية لتحقيق إصلاحات سياسية مما أدي ألي تعزيز و تثبيت دورة الفساد السوري مما زاد منتوج الغضب الشعبي ودمر مكتسبات الناس.
 
أن ثنائية الفساد السورية تحركت بعد وفاة المرحوم حافظ الأسد إلي تحقيق ليبرالية اقتصادية بمعزل عن أي ليبرالية سياسية أذا صح التعبير في ظل عزل دولي موجود و حصار شامل نتيجة استقلال القرار السياسي بما يخص تحرير الجولان ضمن الخطة السورية للتحرير و وجود جيش قتالي حقيقي المطلوب صهيونيا القضاء عليه و تدميره.
 
أذن استقلالية القرار السياسي بسوريا و دورها بالصراع العربي الصهيوني و التقشف الثوري لقيادة حافظ الأسد و إخلاصه لقوميته العربية وشفافية خطابه التعبوي و نجاحات السبعينات الاقتصادية و قيادته لسوريا من بلد “ملعب” لكل العالم ب واحد و عشرين انقلابا بين 1946 إلي عام 1970 إلي بلد “لاعب” دولي مهم و باستقلالية قرار و قوة إقليمية  خلقت بيئة اجتماعية ممتدة مساندة للنظام  جعلته يستمر ضمن سرطان مدمر يتمثل بثنائية الفساد.
 
أن هذا “اللاعب” أصبح حاليا “ملعبا” لكل دول العالم و انفتحت البلد بعد وفاة حافظ الأسد بليبرالية اقتصادية تسعي لمصلحة طبقتها و دائرة فسادها إلي أن دخلت آليات الثورات الناعمة لتدمر سوريا.
 
ما سبق كلام عن الداخل السوري و لكن ماذا عن المستجدات الحالية من التطورات المتلاحقة و المتسارعة؟
 
 المفارقة الحالية هو دخول التنظيمات المسلحة التي تحارب الدولة في سوريا إلي حرب فيما بينها! و حرب أخري تمارسها هذه التنظيمات ضد القومية الكردية!؟ وصحيح من كان يقول أن الرئيس د.بشار الأسد لو أختار معارضين له لما أختار أسوأ من الموجودين حاليا و لا أغبي منهم.
 
ضمن “غباء” و “سوء” الجماعات المسلحة يجري كذلك الكلام عن مؤتمر جنيف اثنان و هو محاولة أحداث انتقال سلمي للسلطة في سوريا برعاية دولية يضمن وقف الدعم المالي الاستخباراتي و التنظيمي للجماعات المسلحة ضمن كلام أعلامي عن أكثر من مائة و ثلاثين إلف مقاتل أجنبي “غير” سوريين وكلام أكثر خطورة علي أن في سوريا حاليا هناك من التكفيريين و المعقدين مذهبيا أكثر من عدد “الأفغان العرب” بالثمانيات و كأن سوريا من بعد حافظ الأسد أصبحت ملجأ لكل مجانين التكفيريين و المعقدين مذهبيا و الأغبياء من المتدينين الذين ينفذون مشاريع آيتان شارون و مقررات مؤتمر هيرتسليا بعمالة مأجورة أو بأستحمار داخلي يعيشونه.
 
نشاهد ضمن كلام عن تسوية قادمة تراجع الكلام الغربي عن الاستبداد الداخلي السوري أو المشاكل الاقتصادية و تحول الصراع إلي الكلام عن “رقابة” دولية علي أسلحة كيماوية تطور إلي “نزع” لاحق و “ودخول” إلي معاهدة الأسلحة الكيماوية وسط تمطيط و برودة سورية معروفة إلي حد الجليد .
 
هذا كله أيضا نشاهده ضمن غباء عالمي لا يسأل الصهاينة عن استخدامهم للفسفور الأبيض في غزة و لا استخدام الأمريكان للبلوتونيوم المنضب في العراق و لا النابالم ضد الفيتناميين و لا مساعدة الغرب لنظام الطاغية صدام حسين عن بناء ترسانته الكيماوية التي أستخدمها ضد شعبه و الإيرانيون.
 
 هذه “الرقابة” و”النزع” و”التوقيع” أثبتت انتصار روسيا و تأكيد دورها الجديد في منطقة الشرق الأوسط و كشف تناقض “فرنسي شاذ” مندفع يريد تسليح المعارضة المسلحة في سوريا؟! في تناقض غريب حيث حاربت فرنسا”الشاذة” تنظيم القاعدة في جمهورية مالي و لكنها تدعم نفس التنظيم للقاعدة في سوريا!؟ و في كل الأحوال خسر “الشذوذ” الفرنسي معركته في سوريا.
 
و لعل هناك من يعزو هذا الشذوذ الفرنسي إلي ضعف شخصية رئاسة فرنسا حيث انتقلت قيادة السياسة الدولية من رئيس الدولة الفرنسية إلي وزارة الخارجية التي كانت تاريخيا بروتوكولية و لا تعني بالإستراتيجية و قراءة هذا الانتقال يعزوه البعض إلي ضعف شخصية الرئيس الفرنسي من ناحية كما ذكرنا بالاعلي و أيضا إلي شخصية وزير الخارجية الفرنسي الحالي من حيث كونه صهيونيا بامتياز مرتبط بالمجلس اليهودي و أن أعلن انتقاله للمسيحية فهناك من يفسر هذا الانتقال الديني ليس من باب القناعة الإيمانية بل من باب الرغبة المصلحية للتطور السياسي ليرتقي فابيوس رئاسة فرنسا مستقبلا.
 
وغير النجاح الروسي و الفشل الفرنسي هناك “سقوط” لإستراتيجية تركيا في الوضع السوري و هذا السقوط هناك من يعتبره خسارة تركية لحصتها الموعودة من الغاز و فقدانها الطريق الاقتصادي للدول العربية ضمن تراجعات تركية سابقة عن سياستها الخارجية المسماة صفر مشاكل مع الجيران! لتغرق تركيا مجددا مع مشاكلها مع حزب العمال الكردستاني حيث تراجعت ترتيباتها للسلام معه ناهيك عن خسارة الأتراك للتبادل التجاري مع الدولة السورية الذي كان يقدر بالفان مليون دولار سنويا و ن أرتفع تبادلها التجاري مع الصهاينة إلي أربعة ألاف مليون دولار!؟
 
إذن هناك “كلام” عن تسوية  قادمة أم أنها “وهم” لتسوية لن تحدث إلا بخيالات من يعتقد بها ويريدها؟
 
تسوية يرغبها البعض تمت تهيئة مسرحها التمثيلي ضمن “مقالة!” كتبها رئيس الجمهورية الإسلامية المقامة علي أرض إيران بالصحافة الأمريكية أثناء قدومه لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة و أيضا تحفيز لما قيل عن تغير للسياسة الخارجية المصرية بعد الانقلاب العسكري و رسائل متبادلة بين الدولة في سوريا و النظام”الجديد القديم” في مصر.
 
ناهيك عن أمر هام و هو توقيع أتفاق دفاعية مشتركة بين سلطنة عمان  و الجمهورية الإسلامية المقامة علي أرض إيران  ناهيك عن اتفاقيات أخري تختص بالتعليم و الرياضة و الثقافة و مكافحة المخدرات و محاربة تهريب البشر و ارتباط اقتصادي رفع مستوي سلطنة عمان من التبادل التجاري مع الجمهورية الإسلامية إلي المرتبة الثانية حيث تمثل مع دولة الإمارات العربية المتحدة تبادل تجاري ملياري يصل إلي ثلاثين إلف مليون دولار و هو ما فسره عدد من المراقبين من أن هناك تغير قادم بالمنطقة و منها تغيرت بوصلة العلاقات و تمت أعادة ترتيبها و أهمية هذا الاتفاق هو ما تحمله سلطنة عمان من استقلال معروف في قرارها و علاقاتها الخارجية تربط مصلحة الوطن “العماني” فوق أي خلاف قديم أو حديث.
 
فالحكمة العمانية و تاريخية هذه الحكمة المثبتة علي مر الزمن بنجاحاتها بالمنطقة وأيضا بصحة قراءتها للواقع الدولي و الإقليمي يدفع بالتصديق علي إن هناك ما هو قادم بالمنطقة؟
 
ويدفع  سيناريو تسوية قادم هو تنازل و تراجع تنظيمات قطع الغيار البشري المفبركين غربيا كمعارضة سورية!؟ و قبولهم المفاجئ بالحل السلمي الذي رفضوه بجنيف واحد!وهم بالأساس لا قرار لهم و لا رأي إلا لمن صنعهم و فبركهم من الدوليين إذن هناك قرار خاص بمن صنعهم و ليس لهم قبل  و وافق علي التسوية ضمن قناعة إيرانية علي أنهم”أي الإيرانيون” الحلقة و العقدة لخطوط الغاز إلي الصين وباقي العالم فالتسوية معها و مع حلفائها الدوليين الروس و السوريين و الصينيين ضمن قائمة تشمل كل ملفات المنطقة من النووي الإيراني إلي تقاسم النفوذ الدولي إلي رفع الحصار علي الجمهورية الإسلامية.
 
أذن هي صفقة شاملة للنفوذ الدولي الجديد وتقسيم جديد للحصص الدولية بعد فشل عسكري و سياسي و استخباراتي دولي في سوريا ضمن دلالات و معطيات كثيرة.
 
كاتب هذه السطور رغم كل هذا الدفع الإعلامي و الحراك الدولي و الاجتماعات المرتقبة بين الجمهورية الإسلامية و الأمريكان لا يتفاعل علي أن هناك تسوية قادمة و قد أكون مخطئا و لكن رأيي هو ببساطة لماذا تريد الولايات المتحدة “تسوية” فهي لا تدفع ضريبة للدم و لا ضريبة للمال في القتال علي أرض سوريا و هي سعيدة بالأفغنة الحاصلة حيث يتم تدمير الجيش العربي السوري كأخر جيش عربي “حقيقي” يستطيع الحرب بلا خسائر علي الإطلاق للأمريكان بما يخدم “فوضتهم الخلاقة” و ما يتناغم مع ما يريده الصهاينة من تدمير الجيش السوري و هذا مثبت بمقررات مؤتمر  هيرتسليا التي تتحرك به دولة الكيان الصهيوني كحركة علي ارض التطبيق.
 
ناهيك عن سوابق تاريخية للكذب الأمريكي علي العرب فهم من كذبوا علي الرئيس حافظ الأسد عن طريق  الملعون” كيسنجر” و هم من وعدوا الرئيس حافظ الأسد أيام كارتر بتسوية أخري تراجعوا عنها أيضا و تاريخ الأمريكان بالكذب علي رؤساء الدول كثير وطويل.
 
أذن لماذا يريد الأمريكان “تسوية” في صراع لا يكلفهم شيئا؟
 
قد تكون هناك معطيات و أشياء خافية علي كاتب هذه السطور و لكن يظل السؤال بلا إجابة إلي حين توفر هذه المعطيات و الأشياء المخفية.
 
[email protected]