لست في وارد الدفاع عن النظام السوري، إذا ما كان قد إستخدم السلاح الكيمياوي ضد شعبه أم لا، فهذه مسألة لم تثبت لحد الأن، كما أنني لست أدافع عن نظام بشار لأنه على حق والأخرين على باطل، فأنا هنا لمناقشة الموقف الأمريكي المتشنج من مسألة إستخدام السلاح الكيمياوي قبل أن يثبت من إستخدمه وضد من ومن سمح بإستخدامه؟ وقبل هذا وذاك سأسمح لنفسي بالعودة الى الوراء قليلا عندما كان نظام صدام حسين يستخدم الأسلحة الكيمياوية ضد إيران وضد الشعب الكوردي حيث ما زالت حلبجة شاهد على هذه الجريمة النكراء.
بدأ الرئيس العراقي صدام حسين حكمه، بالقضاء على أقرب خصومه السياسيين من حزبه، وبعدما خلا له المكان أخذ يعيث فسادا في الأرض والعباد، فناصب إيران العداوة منذ بداية الثورة الإسلامية ومجيء نظام الحكم الجديد بعد سقوط الشاه، وسرعان ما تطورت العداوة الى حرب ضروس إستمرت ثمان سنوات، راح ضحيتها الملايين من الشعبين، ما خلا المعوقين والمفقودين؛ بإستثناء تعطل الإقتصاد في كلا البلدين وخسارتهما لمئات المليارات من الدولارات لإدامة ماكنة الحرب
أثناء الحرب ظهر جليا للمراقب السياسي، بأن صدام حسين يحاول الحصول على أسلحة كيمياوية بشتى الوسائل والطرق، فبث جواسيسه وسماسرته في البلدان الأوربية في محاولة الحصول على تقنيات تتيح له تصنيع السلاح الكيمياوي وتطويره، وفعلا حصل على تلك التقنيات من بلدان أوربية مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا والصين وبلجيكا والهند والولايات المتحدة الأمريكية، أما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأصبح أكبر نظام يستخدم السلاح الكيمياوي في نهايات القرن الماضي، كما أنه يعد أول نظام يستخدم هذا السلاح ضد أبناء شعبه
بدء النظام السابق بإستخدام السلاح الكيمياوي ضد الشعب الكوردي في عمليات الأنفال للفترة من (23شباط لغاية 6 آيلول 1988) بحجة دخول القوات الإيرانية الى المناطق الكوردية في العراق وتحديدا “حلبجة” ، كما أن صدام حسين إستخدم نفس السلاح من قبل عام 1987 في قصفه لقرى كوردستان العراق بحجج مختلفة. أضف الى ذلك أن النظام السابق قد قصف مخيم للاجئين العراقيين داخل الأراضي الإيرانية في مخيم زيوه الإيراني في أرومية نتج عنه سقوط عدد من الأبرياء وذلك في نيسان عام 1986
مع كل هذه الحقائق والوقائع الدامغة لم يتحرك الضمير الأمريكي والبريطاني والفرنسي، لأنه كان نائما في العسل العراقي وهو يقاتل الإسلاميين في إيران كونه يمثل أرقا لهذه الحكومات لقربه من مصدر إمدادات النفط والذي يعد عصب الحياة لإقتصاد هذه البلدان، لكن عندما بدا أن صدام قد تجاوز الحدود المرسومة له “حتى بعد دخوله الكويت” ونعني بذلك إقترابه من المملكة العربية السعودية، بات لازما أن يتم تغيير هذا النظام بأخر يلتزم بمخططات الدوائر الغربية، ولأن البديل لم يكن جاهزا بعد فقد إستمر التحالف بالضغط على حكومة بغداد لإضعافها في المرحلة الأولى ثم إسقاطها في مرحلة لاحقة بعد أن يتم تحضير مبررات إسقاط هذا اللاعب الذي إستمر يلعب بأعصاب شعوب المنطقة مدة تزيد على 30 عاما، فجاءت فكرة الأسلحة الكيمياوية والسلاح النووي الموجود لدى صدام حسين ونيته بإستخدام لضرب أعداءه من جيرانه وإسرائيل وكذلك أبناء شعبه
إن أول من يجب ان يحاسب هو الدول الكبرى التي سمحت بتصدير التقنيات والأجهزة والعناصر الكيمياوية المستخدمة لضرب الشعوب عن طريق تجار الحروب الذين تعرفهم هذه الدول حق المعرفة، فقبل أن تحاسب سوريا ومن قبله العراق، يجب أن يقول لنا السيد أوباما وكاميرون وبقية الجوق الموسيقي الذي يطبل معهما كيف وصل مثل هذا السلاح المحظور الى أيدي الجماعات الإرهابية والحكومات الأخرى، في الوقت الذي تدعون فيه أنكم ضد هذه الأسلحة، ثم أن أعطاكم الحق في إصدار أحكام على متهمين أنتم أنفسكم من أوصلهم الى ما هم عليه من غطرسة وعنجهية ودموية مع شعوبهم
إذا كان ثمة من يجب أن يحاسب فهو أنتم أيها السادة، ففي لعبة الشطرنج جميع القطع ساكنة ويحركها اللاعب في افتجاه الذي يريد لغرض الفوز على منافسه، والخاسر يجب ان يحاسب نفسه كونه لم يحسن اللعب، وليس أي أحد أخر، فأنتم من ينتج الأسلحة الكيمياوية ويخزنها ويبيعها “في السوق السوداء” لمن تريدون أن تصل إليه هذه الأسلحة، وعندما يخرج عن طوعكم تتهمنونه بأنه مجرم حرب ويتقل الآخرين يالسلاح الكيمياوي.
بقي أن أقول كلمة أخيرة وهي: أن الشعوب بدأت تفهم لعبتكم الخسيسة هذه، ولن تنطلي عليها ألاعيبكم هذه