23 ديسمبر، 2024 5:05 ص

سوالف عراقية الجزء الثاني

سوالف عراقية الجزء الثاني

توصف السياسة بأنها لعبة، ويعبر عنها أحيانا بأنها فن الممكن، لكنها في حقيقتها هي فن لإدارة الامكانات المادية والبشرية، ورسم الخطط الآنية والمستقبلية، وتحويل التحديات الى نجاحات.. وبالتأكيد هي بحاجة الى مختصين محترفين أفذاذ كما في بقية المهن.. لكنها تكون فاشلة إذا أصبحت شعبوية فئوية، تراعي مصالح هذا الطرف أو ذاك، وتجامل هذه الفئة على حساب أخرى، فتغيب المصالح العليا للوطن.

عندها ستفشل الحكومات واحدة تلو الأخرى، وستحدث الإنقسامات السياسية تتبعها إجتماعية، تولد الفوضى والخراب وعواصف قوية، ممكن أن تعصف بالبنيان السياسي والتجربة الديمقراطية لأي دولة، وهذا ما حدث مع التجربة العراقية طوال الفترة الماضية، فكاد هذا أن يودي بالبلاد نحو نفق مظلم، تعرف بدايته ولا تعرف نهايته، بعد إنطلاق مظاهرات تشرين نهاية عام 2019، لولا تداركه ولملمة شتاته بإختيار حكومة جديدة.

كثيرون يتفقون أن هذه الحكومة جاءت بإضطرار من بعض الكتل السياسية، وهذا ما تحاول هذه الكتل إيصاله الى جمهورها، رغم أنها مشتركة فيها ونالت حصة الأسد من المناصب الحكومية، لذلك كان التحدي الأول أمام هذه الحكومة، هو عدم وجود تجانس بين المكونات السياسية المشكلة لها، لغياب الرؤية الموحدة وعدم الإتفاق على السياسة العامة لإدارة الدولة، وظهر هذا جليا عند التصويت على الموازنة الإتحادية لعام 2021، فما فيها من إيجابيات كل ينسبها اليه، وما فيها من سلبيات يتهم بها غيره، رغم أنه تحدي كبير نجحت الحكومة في إجتيازه على علاته.

التحدي الأبرز الذي كان يواجه الحكومة، وإتفق الجميع على تكليفها به، هو إيقاف المظاهرات وإطفاء غليان الشارع، والفوضى التي عمت أرجاء البلاد، وكادت أن تطيح بكراسي أصحاب السلطة، رغم أن بعض الكتل إستغلت هذه المظاهرات لتحقيق مكاسب وأغراض سياسية، وإتهام كثير من المشاركين بها بتلقي الدعم والتدريب الخارجي، لكن الحكومة نجحت في مسك الخيوط المؤثرة والتعامل معها، حتى عاد الهدوء لكثير من المحافظات العراقية، التي تنتظر أموال الموازنة للشروع بمرحلة إعمار جديدة، غابت عنها منذ سنين.

من المهام التي وضعت للحكومة عند تشكيلها هو التحضير لإنتخابات مبكرة، وذلك يستلزم وجود مفوضية وقانون إنتخابات جديدين، وقد تحقق ذلك رغم المؤاخذات على عمل المفوضية وعدم توفر الخبرة لديها، كونها لم تدير إنتخابات سابقا، وتم إقرار قانون إنتخابي جديد، يوفر للناخب حرية إختيار الاشخاص بعيدا عن إرادة الكتل السياسية، كما كان يحدث في القانون السابق، ورغم تمديد موعد الإنتخابات أربعة أشهر إضافية، إلا أن ما تحقق يلبي طموح المتابعين والمراقبين.

بعد إقرار قانون المحكمة الإتحادية، يبقى التحدي الأخير أمام الحكومة هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وذلك يتطلب توفر عوامل مهمة وجهود كبيرة لإنجاحها، فالأمن الإنتخابي يجب أن يسبق أي عملية إنتخابية، وأن تتوفر الأجواء المناسبة للناخب والمرشح قبل الشروع بالتصويت، وأن تكون مفوضية الإنتخابات على قدر عال من الكفاءة والمهنية، تراعي صوت الناخب وتحفظ حق المرشح، تدير العملية الإنتخابية بكل سلاسة وشفافية.

من المبادئ الأساسية في كرة القدم أن العبرة ليست باللعب الجميل والأداء الممتع، وإنما بمقدار الأهداف التي تحققها في مرمى الخصوم، لذلك فإن إجراء الإنتخابات في موعدها المحدد، هو هدف كبير والتحدي الأبرز، أمام الحكومة للحفاظ على التجربة الديمقراطية العراقية.