13 أبريل، 2024 3:10 م
Search
Close this search box.

سوالف انتخابية (15) مرشحة قائمة الكلدان رقم 139

Facebook
Twitter
LinkedIn

تسلسل 8

العدالة الانتقالية : العتبة المهمة المهملة

في تجارب الدول التي شهدت تحولات كبرى في نظامها السياسي ومنها بلدنا، تمثل العدالة الانتقالية احد اهم الخطوات التي يتطلبها المسار السياسي الجديد، خاصة لجهة المصالحة الوطنية، ودون انجاز هذه المرحلة بعناية كبيرة لن تتحقق المصالحة الوطنية الحقيقية وبالتالي تتعثر مسيرة البناء السياسي الجديد وهو تماما ما حصل في تجربتنا السياسية المتعثرة رغم مرور 15 عاما على انطلاقها.

ويتطلب تحقيق العدالة الانتقالية المرور من ثلاثة مراحل متتابعة ومتلازمة ايضا وهي : 1-الكشف عن الجرائم المرتكبة في النظام السابق. 2- تشكيل محكمة تقضي في هذه الجرائم. 3- جبر الضرر وتعويض الضحايا:

تُشكل هيئة مستقلة عليا تشرف على انجاز العدالة الانتقالية وذلك عن طريق:

1-الكشف عن الحقيقة:

تعمل الهيئة على جمع كافة البيانات الممكنة سواءاً من ارشيف النظام السابق او من شهادات الضحايا اوالشهود، ويتم توثيق ذلك بعد التحقيق الدقيق في كل حالة، تعقبها جلسات الاستماع العلنية الى الضحايا وشهودهم يقوم الاعلام الرسمي بتغطيتها كاملة، وتحدد الهيئة سقفاً زمنيا لاستقبال شكاوى المتضررين والبحث فيها وإدراج المستوفي منها للشروط ضمن جرائم النظام السياسي السابق، وترفع الهيئة هذه الملفات كل على حدة الى المحكمة المختصة بذلك.

2-المحاكمة :

تُشكل محكمة خاصة من قضاة معتبرين باسم “محكمة العدالة الانتقالية”، ، مهمتها النظر واصدار الاحكام المتعلقة فقط في الملفات التي ترفعها لها الهيئة الخاصة بتحقيق العدالة الانتقالية..

3-جبر الضرر والتعويض :

تقوم الحكومة المنبثقة عن النظام الجديد بتنفيذ الاحكام الصادرة عن محكمة العدالة الانتقالية فور صدورها، والعمل على وضع نظاما للتعويض المادي والمعنوي، لجبر الضرر الناتج عن هذه الجرائم واعادة الحقوق المغتصبة لاصحابها الحقيقيين.

وتستكمل حلقات العدالة الانتقالية، عن طريق حفظ تلك الجرائم في الذاكرة الوطنية منعا لتكرارها، واصلاح المؤسسات الامنية التي ارتكبت تلك الجرائم واعادة تأهيلها وغير ذلك من اجراءات ملائمة.

بعد انجاز هذه المراحل بما تتطلبه من حزم وعناية شديدتين، تُطوى نهائيا مرحلة النظام السابق فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبها بحق المواطنين، لتنطلق بعدها مرحلة المصالحة الوطنية ويستكمل المسار السياسي الجديد حلقاته الاخرى.

هذا هو المسار الامثل للوصول الى مصالحة وطنية حقيقية، وهناك تجربتان رائدتان في هذا المجال، الاولى في جنوب افريقيا والثانية في تونس..

فماذا فعل حكامنا الجدد منذ 2003 نحو هذا الامر ؟؟

اصدر بول بريمر الحاكم المدني للعراق بعد الاحتلال قانون الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث في نيسان 2003 الذي عُدل لاحقا في كانون الثاني 2008 ليصبح اسمها الهيئة العليا للمسائلة والعدالة، وفي الحالتين بقي الكثير من جوهر القانون المنظم لها ثابتا، ونلاحظ الاتي:

1-ان الهيئة جمعت بين امرين، لا ينبغي الجمع بينهم حين يتعلق الامر بتحقيق عدالة انتقالية، فهي في ذات الوقت تعمل على ملاحقة الذين تسببوا في الجرائم التي ارتكبها النظام السابق لتقديمهم الى القضاء وتعمل ايضا على اجتثاث اطر وكوادر حزب البعث بغض النظر عن كونهم شاركوا في تلك الجرائم او لم يشاركوا، وكان المفروض ان يتم الحاق العمل الثاني بمؤسسة اخرى مستقلة، حتى لا نمس جوهر العدالة الانتقالية وغاياته الاساسية في حفظ كرامة الانسان بالدرجة الاولى.

2-ان الهيئة نصّبت نفسها، قاضياً في اصدار الاحكام عن تلك الجرائم بل ، ايضا انشأت هيئة تمييزية لتلك الاحكام، ورغم ان ذلك يتم علي ايدي قضاة معتبرين، لكنه يجعل من الهيئة، مدعيا وحكما في الان نفسه، مما يخل بمفهوم التقاضي وكذلك في النص الدستوري المتعلق باستقلال السلطة القضائية ويضع الهيئة في دائرة الشبهات والظنون.

3-وقبل هذا وذاك، لم تنجز الهيئة عملها بموضوعية، بل ظهر جليا ان هناك انتقائية واضحة في ملاحقة المجرمين من النظام السابق، ففي الوقت الذي اتخذت اجراءات قضائية بحق البعض منهم، جرى التغاضي عن اخرين، بل وبعضهم شغل مواقع حساسة في الدولة الجديدة. كما ان الهيئة عجزت في بعض الحالات ان تفرض احكامها القطعية على بعض المشمولين باجتثاث البعث، كما حصل في مشهد كاريكاتوري شاهده جميع العراقيين في الجلسة الاولى لبرلمان 2010، حين كُشف عن موافقة المالكي عن رفع الاجتثاث عن المطلك والعاني والكربولي، الصادرة في حقهم احكام قطعية بالاجتثاث من هيئة المسائلة، مقابل ان يكون رئيس مجلس الوزراء في تلك الدورة، والمضحك المبكي ان كل ذلك تم في دار السفير الامريكي في بغداد حسب ما ذُكر في تلك الجلسة وعلى الهواء عبر النقل المباشر لها.

4-ختاما ان تداول مصطلح درج على استخدامه الكثير من المسؤولين في الحكومة خصوصا حينما يتعرضون لقضية تتعلق بالمصالحة الوطنية وهو “….. الا من تلطخت يداه بالدم من ازلام النظام السابق” يؤكد كل ماذكرناه سابقا، حيث كان على هذا المسؤول ان ينتبه الى انه يقر باستخدامه لهذه الجملة، بان موضوعة العدالة الانتقالية لم تتم بعد كل هذه السنوات العجاف بما يعني انه مازال هناك المئات ان لم يكن الالاف الذين لم يطالهم العقاب بعد… ولم تتحقق العدالة لعشرات الالاف من الضحايا فكيف يمكن تحقيق مصالحة وطنية في ظل هذا الظلم الكبير؟…وهذا بعض من مفارقات العراق الجديد…

اخيرا نحن اليوم في حاجة اكيدة لتحقيق العدالة الانتقالية ليس عن الجرائم التي ارتكبت ضد الانسانية في فترة النظام السابق بل وعن اخرى مماثلة ارتكبها النظام السياسي الجديد منذ 2003 وحتى اليوم..

ايها العراقيون…انتخبوا يوم 12 ايار البرلمان الذي سيحقق العدالة الانتقالية ويطوي صفحة الماضي تماما…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب