15 نوفمبر، 2024 8:50 م
Search
Close this search box.

سوالف انتخابية (12)

أخطبوط الفساد..من التوغل الى التغول

أ-في مسؤولية الولايات المتحدة وواجباتها

يقول المفكر غسان سلامة الذي شغل منصب نائب رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق سيرجيو دي ميلو، اول ممثل للامين العام بعد الاحتلال ( قتل في تفجيرارهابي استهدف مقر البعثة في 19 اب 2003 )، ،عن فترة حكم بريمر في عام 2003 : من اهم اعتراضاتنا على بريمر حينها، هو انه تصرف بحرية مطلقة في انفاق مليارات الدولارات التابعة للعراق خارج اي رقابة اممية.

ودون الدخول في تفاصيل ذلك، وهي كثيرة، يمكننا ان نؤكد دون تردد، ان فترة حكم بريمر وضعت حجر الاساس لبناء منظومة الفساد التي توغلت لاحقا في كافة مفاصل الدولة والمجتمع، وكان طبيعيا ان تتغول فيما بعد حين .

لقد اطلق بريمر ملايين الدولارات امام حفنة جائعة من العراقيين القادمين من وراء الحدود حاملين معهم معاناة الاغتراب والحرمان والخوف على مدى سنين طويلة بسبب سطوة وقمع النظام الديكتاتوري السابق، ومع بريق ملايين الدولارات المغرية، منح بريمر لهذه الحفنة ايضا، جرعات شهرية من مذاق السلطة اللذيذ ( التناوب الشهري على رئاسة مجلس الحكم )، وبعد عام من هذه التجربة المثيرة، ترك بريمر العراق بعد ان اطمئن الى ان الكثير من ساسة العراق الجدد ادمنوا متعة المال والسلطة، وحين غادرهم انطلقوا في سباق محموم نحو مسك اكثر للسلطة والمال معا وضاع الوطن وسط هذا الصراع وضاعت احلام العراقيين في حياة حرة كريمة في عراق وعدوه انه سيكون جديدا، ونشأ كل الخراب والسوء الذي يعيش العراقيون وسطه اليوم… ان بريمر لم يفعل اكثر مما يفعله تاجر المخدرات الكبير الذي يبحث غن سوق لتصريف سمومه والطريقة المثلى دائما هو جعل السوق الجديد يدمن تعاطي المخدرات، حينها يتركهم هذا التاجر لينتقل الى سوق جديدة، وبذات الطريقة كانت بضاعة بريمر الوحيدة التي نجح في تسويقها في العراق الجديد …..هي الفساد ولا شيء سواه.

وحين يكتب بريمر في مذكراته ” عامي في العراق ” عن ساسة العراق الجدد ما معناه : لم اجد بينهم من لم يطلب مني شيئا لنفسه وليس للعراق، وكأنه طبيب يكتب عن تطور الحالة المرضية لمجموعة مكلف بها، وبدا انه يعلن بذلك ان حالة “الادمان” تمت بشكل ما، مما ينهي مهمته في العراق، وقد كان….

وهكذا ترك بريمر العراق بعد ان بدأت القوة الذاتية الناشئة عن التمازج بين المال والسلطة، – وهي الوصفة السحرية الدائمة في تدمير مستقبل اغلب الدول النامية – في تدوير ماكينة الفساد التي تصاعدت وتسارعت دوراتها حتى استحكمت في كافة مرافق ادارة الدولة والمشاريع والمجتمع، ومع دخول البلاد في المرحلة الامريكية الجديدة، الفوضى الخلاقة، استثمر الفساد هذه الفوضى لمزيد من مكاسب النهب الممنهج للمال العام الغزير والهيمنة السلطوية، سيما انها تزامنت مع ارتفاع غير مسبوق في اسعار النفط، مما راكم مليارات اضافية نُهبت بشراسة من الفاسدين، بدلا من استثمارها في تنمية العراق وشعبه، ونشأت امبراطوريات خرافية لرؤوس المنظومة الفاسدة وحواشيها، والتقارير تتحدث عن 300- 500 مليار دولار منهوبة بوسائل متنوعة من ثروة العراق. منذ 2003.

وكما ان الولايات المتحدة – بتخطيط مسبق او دونه – كانت وراء انطلاق مسيرة الفساد المتغولة، (التقارير السنوية لمنظمة الشفافية الدولية وغيرها، تضع العراق منذ سنين والى الان، في اسفل جداولها المعلنة عن الدول الفاسدة )، عليها ايضا تقع المسؤولية الاكبر في ملاحقة الفاسدين ومصادرة الاموال المنهوبة، وغني عن القول امكانات واشنطن الكبيرة في كل ذلك ومنها :

1-على واشنطن تقديم الملفات الكثيرة التي تملكها الاجهزة الامريكية المتنوعة ذات العلاقة عن الفاسدين والفساد في اكثر من قضية تتعلق بالمال المنهوب من العراق، سواءا في الصفقات الحكومية المشبوهة او في المشاريع الوهمية او في تهريب العملة عبر القنوات الرسمية او في تبيض هذه الاموال، ينبغي ان تقدمها الى الجهة العراقية المسؤولة عن محاربة الفساد، مع المراقبة الجادة في انجاز المتابعات اللازمة في ذلك منعا للالتفاف عليها او على الاقل اهمالها، كما حدث ويحدث في اكثر من ملف مشابه.

2- مساعدة العراقيين في توفير الحمايات المطلوبة، ماديا ولوجستيا، للسلطة القضائية لمباشرة محاسبة المتورطين وتهيء مايلزم من القضاة المعتبرين في ذلك، حيث شلّ الفساد وقوته الضاربة يد القضاء العراقي وارغمه على اهمال الملفات المتعلقة بالفاسدين الكبار خصوصا، وباتت السلطة القضائية مختطفة تماما على الاقل في الجانب المتعلق بمحاربة الفساد، وشواهد ذلك كثيرة.

3-المساعدة على تفعيل دائرة الادعاء العراقي داخل السلطة القضائية، وتوفير كل ما يتطلبه هذا التفعيل من دعم مادي ولوجستي، ليمارس المدعي العام دوره الحاسم الذي نص عليه قانون الادعاء العام، ومن ضمنه حماية المال العام ومتابعة كل من يثبت تورطه في تبديده بالسرقة او بغيرها..

4-ان استعادة الاموال العراقية المهربة الى الخارج والتابعة لكثير من الفاسدين ومصادرة وحجز ممتلكاتهم وعقاراتهم المنتشرة في اكثر من بقعة في العالم، تنفيذا لأحكام قضائية منجزة او اخرى مرتقبة، هي مهمة لا تستطيع الحكومة العراقية ان تنجزها، بافتراض توفر الارادة السياسية لتحقيق ذلك، دون دعم ومساعدة دولية واسعة والامريكية منها على وجه الخصوص، ولعل الجميع يعلم ان الولايات المتحدة ومنذ احداث 11 سمتمبر، وفي سعيها لمحاربة الارهاب، سيطرت على مراقبة حركة الاموال في العالم، وعبر ذلك فهي تعلم مصير اي دولار تم تحويله عبر القنوات القانونية في العالم اجمع كما لديها الاجهزة المختلفة لمراقبة عمليات تبييض الاموال التي تجري في اكثر من مؤسسة مالية واقتصادية واستثمارية وغيرها، وهي بهذا المعني تعرف اكثر من العراقيين اين ذهبت اموالهم المنهوبة.

5-ان ادارة الرئيس ترامب مدعوة اليوم وبالحاح اكثر من اي وقت مضي، الى تصحيح الاخطاء الكبيرة والقاتلة في العديد منها، لكثير من طموحات وامال الشعب العراقي في ديموقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية وعيش كريم امن وهي وعود الاحتلال الامريكي بالدرجة الاولى، والتي ارتكبتها ادارة بوش الابن واوباما من بعده، ومنها بالتحديد قضايا الفساد ونهب المال العام الذي اضر بكل شيء في العراق الجديد، وفي النهاية انها مسؤولية اخلاقية وانسانية قبل ان تكون اي شي اخر.

اختي العراقية …اخي العراقي لنساهم جميعا في مواجهة الفساد والفاسدين.. عبر مشاركتنا في التصويت الكثيف يوم 12 ايار القادم.

في مقالنا التالي نواصل الحديث عن اقتراحتنا في حربنا القدمة مع الفساد والفاسدين.

أحدث المقالات

أحدث المقالات