غطت الإعلامية العراقية سهير القيسي انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 من بغداد لمصلحة قناة العربية، وكتبت بعض التقارير كان منها تقرير يتعلق بالخدمات.
حينئذٍ كان السيد حسن الموسوي مديراً عاماً لشبكة الإعلام العراقي، وهو حديث التسنم لمنصبه بعد نزول سلفه السيد حبيب الصدر من الركب، الذي امتطى بعدها سفارة العراق بالفاتيكان. شكل الأستاذ حسن الموسوي لجنة لتطوير البرامج برئاسته (لجنة الإشراف والتطوير) وكنت أحد أعضاء هذه اللجنة كوني مديراً للبحث والتطوير في شبكة الإعلام. وبعد مرور أكثر من شهر من العمل المضني، اتصل بي السيد زاهد البياتي المستشار الإعلامي للموسوي وأحد أعضاء اللجنة في نحو الساعة الثالثة مساءً وقال لي، أنت موجود بالدائرة؟ أجبت نعم، قال هل ترتدي الملابس الرسمية؟ قلت نعم، ولكن بدون ربطة عنق، قال طيب تعال عندنا لقاء مهم، التقيته حيث باب مكتب المدير العام، قال هناك سيارات تقلنا إلى المنطقة الخضراء للقاء رئيس الوزراء، ركبنا السيارات، وفي نحو الساعة الرابعة مساءً وجدنا أنفسنا في نقطة التفتيش الأخيرة، وهي قاعة جزء من بناية مكتب رئيس الوزراء، لم تكن باهرة المنظر، جهاز سونار شبيه بأجهزة المطارات، بجانبه جهاز سونار للأشخاص، تمت عملية التفتيش بلطف ورقّة، سلمنا أجهزة الموبايل، دخلنا فناء الصالة، وسرعان ما دخل علينا السيد المالكي ومن خلفه مجموعة من الرجال عرفت فيما بعد انهم مستشاريه، استقبلنا الرجل بحفاوة بعد أن عرّفنا له الموسوي الواحد تلو الآخر، زاهد البياتي، علاء المولى (بلغ أجله وتبلغ به بعد قراءته بريده اليومي)، عباس عبود مدير الأخبار، وأنا آخر الزملاء، جلس الرجل على كرسيه المعتاد وجلس بجانبه السيد الموسوي وجلسنا نحن بالجانب الأيمن، والمستشارون على الشمال (ما اصحاب الشمال).
سأل المالكي عن أحوال الشبكة، أجابه الموسوي بأن الشبكة بخير وفيها امكانات بشرية وكفاءات إعلامية وفنية ممتازة، قادرين على تطوير الإعلام وسوف نستثمرهم بشكل جيد. وهنا بدأ المالكي يوجه كلامه إلى جميع الحاضرين وقد أختزل ما يريده من شبكة الإعلام بذكره قصة قصيرة انتقد فيها قناة العربية بقوله (على الإعلام أن يقول الحقيقة لا يركز على قضايا جانبية، قبل أيام كانت مراسلة قناة العربية “سكت برهة ثم قال” سهير القيسي نشرت تقريراً من بغداد عن الخدمات صورت فيه بركة صغيرة من المياه على الرصيف منتقدة سوء الخدمات في بغداد، لماذا لم تركز على الإنجازات، لقد حققت الحكومة انجازات كبيرة ومتعددة، لماذا تتركون الإنجازات وتحاولوا أن تصوروا بقعة ماء هنا وبركة هناك
واظهارها للإعلام؟، ويحاولون ان يبينوا سوء الخدمات في بغداد، هل هذا هو الإعلام؟)….. وكان يتحدث بطريقة (إياك أعني واسمعي يا جارة)… ومن ثم أنهى حديثه بـ(عندك شي سيد انت والأخوة؟) كان الموسوي يحدث نفسه وهو ينظر إلى المالكي (اشارتنا في الحب غمز عيوننا …. وكل لبيب بالإشارة يفهم)، فأجابه (لا ما عندي شي)، وبدأ بسؤاله لنا (أعني الموسوي) على التوالي.. زاهد أجاب لا، .. علاء أجاب لا .. عباس أجاب لا، وانا أخيراً صادق، قلت نعم انا بودي أن أسأل دولتكم اذ كنتم قد أشكلتم واعترضتم على تقرير عن سوء الخدمات قدمته وبثته قناة العربية، ما هي حدود حريتنا وصلاحيتنا في العمل نحن في قناة العراقية؟ ابتسم الرجل وكان الإستغراب بادياً على وجهه، ثم التفت نحو مستشاره الإعلامي ياسين مجيد، وتبادلوا النظرات، ثم تنهد (ابو ادريس) مستعداً للكلام، تدارك الأمر الموسوي وقطع لحظات الصمت والتفت نحوي قائلاً (انا اعرف شلون اوازن الأمور هاي القضية يمي)… وعلى حين فجأة انتهى الأمر الذي لم يدم إلا ساعة.
ويبدو أن السيد الموسوي لم يعرف كيف يوازن الأمور لأنه ليس من أصحاب الملذات والمصالح، ولم يسعفه غمز العيون، ولا العاقل يفهم أو اللبيب تكفيه الإشارة، وما هي إلا أيام معدودة، فقال له صاحبه انك لن تستطيع معي صبراً، اذ لم يستمر ثني الوسادة للموسوي فواق ناقه، فكتب عليه الإعفاء كما كتب على اللذين من قبله ومن بعده لعلهم يعقلون، ولعمري فإن قصر المدة لمصلحة الموسوي حتى لا يطول وقوفه في تلك امام الله، أو في هذه أمام الشعب يوم ينادي المنادي (وقفوهم انهم مسؤولون)… وعلى أية حال قصرت مدة ادارته، ام طالت مدة ادارة غيره، بقي الإعلام العراقي مأسوف على شبابه الديمقراطي، مربوط في معلف المنطقة الخضراء، وفضل مقوده والسياط بيد ساكنيها من أهل الحل والعقد رضي الله عنهم، وهذا ما جعل اعلاميو ديرة (عفچ) يفتخرون بـ(رگاعهم) كونه قيم تقييماً كبيراً، فإلى متى تبقى الخطب النقيقية تبث من فضائيات صناعة الأكاذيب للإستهلاك الداخلي، تكذب حتى يصدقها الناس بأن حرية الإعلام من اهم منجزات الحكومة. وحتى متى تبقى الأفواه الداعرة تتقيأ على جماهيرها من الوسائل الممولة من المال العام بهذا المنجز الوهمي، إلى متى نستنجد بأم المصائب زينب (ع) ونحن نختم تعازينا لتعلمنا الصبر على المصائب، يجب أن نستلهم من خطبتها (ع) أمام الطاغية يزيد بقول الحق ونقول لهؤلاء (فمهلاً مهلاً لا تطش جهلاً)، فإن نقيق الضفادع لا يوقف هدير النهر الجاري وإن مكافآت مسح الأكتاف ومخصصات التملق توقفت بعدوى مرض السل الذي أصاب ميزانية الحكومة وبدأت أعراضها على
حناجر الغربان الملتهبة ببكتيريا النعيق البلغمي والذي لا ينفعها مقشع أمام موجة الإصلاح التي تجتاح البلاد وازكمت انوف المتربعين فوق الشجرة الملعونة وتوقف عزفهم النشاز على طبلة الحكومة الجوفاء