طرحت الولايات المتحدة الأمريكية موضوعة إقامة منطقة آمنة أو محافظة جديدة للمسيحيين والمكونات العراقية الأخرى التي تعيش في سهل الموصل منذ قديم الأزمان.. مما شجعً تركيا الى الإعلان رسمياً للقيام بعملية عسكرية في الموصل شبيه بعملية درع الفرات في سورية مؤخراً.. مبررة ذلك باتفاقية الحدود بين العراق وتركيا العام 1926.. التي تدعي تركيا إن هذه الاتفاقية منحتها حق حماية التركمان في العراق.. كذلك استمرار مسعود البارازاني في التأكيد على وجوب الاتفاق السياسي حول إدارة الموصل قبل البدء بتحريره من داعش.. مقابل عدم اكتراث الحكومة العراقية لكل هذه التصريحات بالتدخل العسكري في شؤون العراق الداخلية.. فكيف ستكون خارطة عراق ما بعد داعش؟؟
الحقيقة يسجل التاريخ المعاصر للعراق إن موضوعة وحدة العراق محسومة.. وتقسيم العراق لم تكن حتى في أجندات بريطانيا التي احتلت العراق العام 1918.. وعندما حاولت تركيا العام 1920 استقطاع الموصل وضمها إليها انتفض الموصليون يساندهم كل العراقيين.. وفشلت تركيا.. وبقيًت الموصل عراقيةً.. وعندما حاولت الدولة العثمانية استقطاع كركوك وضمها إلى دولتهم.. كان الكركوكيون بكل أطيافهم والعراقيون لها بالمرصاد.. فسقطت خططهم ثانيةً ..
ـ وعندما يكون هناك خلاف قوي بين مكونات الشعب العراقي يكون الوطن ومصلحة الوطن حاضرة أولاً.. فكل العراقيين (بمختلف مكوناتهم وأحزابهم) تتوحد صفوفهم في مطالبهم.. وإذا استعصى تحقيقها تنطلق التظاهرات الجماهيرية لتشمل كل المكونات وكل المحافظات.. أشد الأزمات التي مرً بها العراق هي القضية الكردية.. ولم يختلف اثنان على إن حلها لن يكون إلا في حضن الوطن.. وهكذا كان ..
ولم تستطيع أمريكا تقسيم العراق عندما أوجدت خط العرض 36 ومنعت صدام من التدخل في شؤون منطقة كردستان.. لكن في آب العام 1994 احتدم الصراع بين الحزبين: الديمقراطي والوطني الكردستانيين.. فدخلت القوات العراقية كردستان بدعم من مسعود البارازاني وأنهت الصراع بينهما.. وبقيً العراق موحداً ..
كما لم تكن في أجندات المعارضة العراقية في الخارج (الشيعة والسنة والمسيحيون والتركمان) موضوعة تقسيم العراق حاضرة أبداً.. حتى انعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في مدينة صلاح الدين بأربيل في تشرين الأول العام 1992.. حيث قدمت الأحزاب الكردية ورقة عن الفيدرالية.. وقد حصلت تجاذبات بين أعضاء المؤتمر وقتاً طويلاً.. ورفضت الورقة بقوة من قبل الأكثرية.. وأمام إصرار الوفد الكردي بالاعتراف بمطلبهم الفيدرالية كشرط لاستمرارهم بالمؤتمر.. مما تطلب تمديد الوقت المخصص للمؤتمر 32 ساعة.. تم التوصل إلى صيغة وسطية تضمنها البيان الختامي للمؤتمر.. جاء فيها ما نصه: (إن المؤتمر يحترم إرادة الشعب الكردي في اختيار العلاقة مع بقية الشركاء في الوطن الواحد والمتمثل بالنظام الفيدرالي (الولايات).. مما يستدعي إعادة النظر في بنية الدولة في العراق عبر الصيغة الدستورية التي يقرها الشعب وبما يتناسب مع تعددية المجتمع العراقي.. وذلك بعد سقوط النظام القائم (أي نظام صدام).. واختيار الشعب للبديل السياسي ضمن عراق دستوري موحد (سيادةً وأرضاً وشعباً) .. وهكذا أشرت المعارضة مستقبل العراق بعد صدام ( عراقاً موحداً) ..
بعد سقوط نظام صدام: نص دستور العراق العام 2006 النافذ على وحدة العراق وعلى نظامه (الاتحادي الفيدرالي البرلماني).. كما نص الدستور على حق تكوين الأقاليم في العراق.. لكل محافظة أو أكثر أن تشكل إقليماً ضمن الدولة العراقية.. شرط أن لا يكون على أساس عنصري أو طائفي ..
وتؤكد كل فقرات الدستور على وحدة العراق.. ولا يوجد أي نص دستوري لحق تقرير المصير لأي مكون.. سوى المادة 140 التي تتكون من عدة فقرات لحل مشاكل المناطق المتنازع عليها.. ويجري بعد ذلك وفق استفتاء شعبي لأبناء هذه المناطق لتقرير انضمامهم لإقليم كردستان أم بقائهم ضمن محافظاتهم الحالية.. أي عدم انفصالها عن العراق وتبقى في كل الأحوال ضمن وحدة العراق ..
وعلى هذا الأساس صيغ اليمين الدستوري الخاص برئيس الجمهورية.. وأعضاء مجلس النواب وأعضاء الحكومة بما يؤكد العمل: الحفاظ على وحدة العراق الاتحادي الديمقراطي البرلماني ونظامه.. وتشكلت الكتل السياسية للمشاركة في الانتخابات النيابية على أساس المكونات وهو مخالفة دستورية .. لكن قانون الأحزاب الجديد عالج هذه الحالة بأن تشكيل الأحزاب يجب أن تضم عناصر عابرة للطائفية ..
إن أخطر ما واجه العراق هي الحرب الطائفية التي اشتعلت أوارها العام 2006 لكن العراقيون استطاعوا وأد التقسيم.. لكن الطائفية مازالت تستغل من قبل كل الكتل السياسية والأجندات الدولية .. ونجد لها حواضن واسعة ..
بقيً أن نقول أن إقامة محافظة جديدة أو أكثر في العراق (سواء في سهل الموصل أو غيره) يجب أن يكون بإرادة أهل المنطقة أولاً ووفق الدستور العراقي النافذ.. آخذين بنظر الاعتبار الجدوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعراق.. وللمحافظة المنوي إقامتها.. وليس إقامة المحافظات بإرادة خارجية.. لتكون (تايوان في العراق) ..
(ملاحظة : انتظروناً في مقالتنا المقبلة: “الدولة الكردية ـ وتقسيم العراق” ..