22 ديسمبر، 2024 2:42 م

سنّة العراق والسؤال المحير

سنّة العراق والسؤال المحير

وأخيراً شكل العبادي وزارته بعد مخاض صعب وعملية لا زالت غير متكاملة وتنتظر صفحات أخرى .
ولا بد من تحليل دقيق لهذه الحكومة التي وصفت بشتى الأوصاف والعناوين وماذا تعني للأطراف المختلفة .

الطرف السني نجح في بناء موقف موحد في البداية وقدم ورقة المطالب وكان موقفه موضع ارتياح وسط جمهوره ، ولكن عندما تحول إلى التفاوض ظهرت علامات الضعف الشديد وباستثناء مواقف صلبة أبداها رئيس مجلس النواب لكاد للموقف أن يكون أسوأ .

كافة الوزراء السنة يستوزرون لأول مرة باستثناء صالح المطلك وبعضهم أتى من كتل ضعيفة وعلى حساب الكتل الكبيرة ، والكتلة السنية لم تستطع الحصول على أي وزارة سيادية هي من حقهم فهكذا جرى العرف .

أما وزارة الدفاع المؤجلة فيمكن ان تكون نكبة عليهم  فان مضوا في ترشيح  احد الاسمين الذين طرحا فلن نتوقع أداءً أفضل مما كان عليه الأمر خلال السنوات الثمانية الماضية ، ولن يكون المرشحين إلا ضباطاً ينفذون أوامر آمريه لا غير.

فمن سيقود المجموعة الوزارية السنية داخل مجلس الوزراء ، وهو الدور الذي مارسه رافع العيساوي  إلى حد ما فيما سبق ، فكل الوزراء لن يكونوا قادة مع الأسف الشديد وسينشغلون بشؤون وزاراتهم الخاصة !!

فقط اثنان من الوزراء السنة لم يتهما بالفساد ، فيما الآخرون يقال بحقهم قول كثير قد يكون بعضه باطلا ولكن لا يمكن التكذيب لكل تلك الأقوال ، فبعضها حقائق جرى التواطؤ على السكوت عليها حتى بعد أن وصلت إلى القضاء وأخرى بقيت في دائرة الاتهامات القوية التي لم تفعّل ولا ندري كيف سيتعامل مجلس النواب معها وأتمنى أن يبدأ النواب السنة في تسقيط وزراءهم الفاسدين .

وللأسف كان أمام  الحزب الإسلامي أن يقدم شخصية قوية بإمكانها أن تكون قطباً ولكنه لم يفعل ! ولا نعلم ما السر ، ولكن ربما كان تصدر الحزب للمواجهة طيلة سنوات عديدة  دون ان يلقى دعما من جمهوره الذي استمر في توجيه الانتقادات إليه دون غيره وسكت عن الفاسدين والنفعيين بل انتخبهم قد أتعبه ، ودفعه إلى اعتماد إستراتيجية أخرى غير واضحة معالمها بعد .

وقد كان غريباً حتى لو إن الحزب ليس له إلا مقعد واحد أن لا يقدم زعيمه إلى الوزارة أو أن  يصر على الحصول على وزارة سيادية وهو يرى أمامه حكومة أقطاب شيعية وكردية لا يكافئهم إلا أقطاب ، فهل حاول فلم ينجح ؟ أم هل تواطأ الجميع على تحجيمه في ظل مخطط تحجيم التيار الإسلامي فلا يراد لأحد رموزه أن يكون له دور، يكاد يجزم كثير من المراقبين إن كل ذلك حصل .

الموقف الغريب الآخر تمثل في علاوي ، إذ بعد أن أصبح له عشرون مقعدا وضمن لنفسه أن يكون نائبا لرئيس الجمهوري ، كان من المتوقع أن يقدم عدنان الجنابي احد اقرب المقربين إليه والذي حافظ على ولائه له إلى وزارة سيادية أو وزارة كبيرة ومهمة ولكنه ذهب فاختار شخصية يكاد لم يسمع بها احد ، وأهمل الجنابي الذي كان من الممكن أن يتولى وزارة النفط ويكون شخصية ندية للأقطاب الأخرى .

ويبدو أن علاوي استمرأ إهمال حقوق السنة ومصالحهم وانه لا يريد أن تظهر من خلاله أية زعامة أخرى ، فقد كان بإمكانه ترشيح علاء مكي عن بغداد أو عبد الكريم  السامرائي عن صلاح الدين أو عدنان  الجنابي عن بابل وكلهم قيادات بارزة في مجموعته وأنداد مكافئين !!

والدور الأخير الذي لعبه الدكتور جمال الكربولي  كان من أسوأ ما يكون فقد أصر على ترشيح فاسدين لا يعرف عنهم إلا سرقة المال العام وكان يقابل برفض من العبادي ولم يستطع أن يستدرك إطلاقاً فضيع على نفسه فرصة ذهبية  أن  يكون له وزير في الحكومة وتم توزير احد أنصار المطلك على حصته فهل يستطيع الآن أن يطالب بوزارة الدفاع وان يعطيها لشخصية كفوءة بحق فيكسب لنفسه موقعا ويكسب احترام جمهوره الذي ساءه ما أقدم عليه ؟!!

إن اخطر ما سيواجه الكتلة السنية هو عندما يجري بحث الملفات الأخرى وعلى رأسها ملف التوازن في مؤسسات الدولة وقد مارس هذا الطور سابقا صالح المطلك الذي كان همه أمرين كيف يرضي حزب البعث و كيف يبقى مقبولا من التيار الشيعي !!! ، لذلك فقد استغل موقعه الوزاري في الماضي وسوف يستمر في ذلك من خلال ملف التوازن  بترشيح وكلاء وزارات شيعة بعثيين على حساب حصة السنة وهو أمر اغضب حتى الوزراء الشيعة من سلوكه ذاك فهل سيتصدى له احد وهل سيكلف بهذا الملف مجددا ؟!!

 

إذا انتقلنا إلى الجانب الكردي الذي لا يرضيه شيء ويستمر في المطالبة فقد نجح في الحصول على وزارة المالية ولواحد من أقوى عناصره ، كما نجح في أن يكون نائب رئيس الوزراء قطب قوي آخر ، ولن يكون بإمكان العبادي أو الوزراء الآخرين أن ينفقوا فلساً واحداً إلا بموافقة الكرد !!

فبعد أن مهد هوشيار زيباري على مدى السنوات الماضية لعلاقات إقليم كردستان الخارجية ها هو اليوم يستكمل الدور من خلال موقع نائب رئيس الوزراء كلا الموقعين للحزب الديمقراطي الكردستاني مقابل رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني ، سوف يضطر العبادي للاستعانة بهوشيار لمعالجة ملفات خارجية مهمة لان الجعفري غير قادر وغير مؤهل لهذا الدور ، ولأن الأخير أراد الموقع وأصر عليه ليسوق نفسه للقوى الدولية ليكون رئيس الوزراء القادم بعد أن يفشل العبادي .

 التحالف الوطني  حاز حصة الأسد مع التهديد الذي اعتدنا سماعه بانهيار المفاوضات واحتمال خروج المارد (المالكي) من القمقم  فتخاذل الآخرون أمام مناورة التحالف الوطني وسعوا  لارضاءهم بإعطائهم ثلاثة وزارات سيادية وعلى حساب السنة ليتولاها أقطاب الكتل الشيعية بشكل مباشر وليس بالإنابة !!

واقع الحال يمسك التحالف الوطني الآن أربعة وزارات سيادية  أصالة أو وكالة ولن يأتي وزير للدفاع إلا برضاهم ، فهم لن يقبلوا شخصية قوية أو قطبا سنيا ، ويجب أن يطمئنوا إلى وزير الدفاع القادم أن يكون طوع أمرهم ، فهل لتحالف القوى العراقية من منفذ لان يأتي بوزير دفاع يكون قطبا وندا اعتقد هذا ما سيطالب به السنة ؟!!

أما التحالف الوطني فحتى الأرنب إن أتوا به سيكون ذئبا وسيتم إنشاء الجيش العقائدي الذي طالما تحدثوا عنه !

الشيعة والكرد أتوا بأقطابهم الذين مارسوا السياسة من موقع السلطة منذ عام ٢٠٠٣ .. والسنة ابتعد كل أقطابهم عنها !!

فمن يتحمل المسؤولية عن ذلك ؟