جلنا يذكر كيف كان المقبور صدام يستحدث مايشغل به المواطن على مدار الساعة، فما إن تُسد ثغرة تقض مضجعه إلا وفتح ثغرات تزيد من قلقه وتربك حياته، وهذه سياسة مدروسة بتمحيص وإمعان ينتهجها الحكام الدكتاتوريون لغاية في نفوسهم. ويبدو أن ورثة (مشعول الصفحة) او المرحوم كما يسميه البعض، عازمون على أن يكونوا أبناءً بررة لأبيهم الروحي ومعلمهم وموجههم وقدوتهم حفظه الله ورعاه..! ويبدو كذلك أنهم أٌقسموا أغلظ الأيمان على الالتزام بنهجه ذاك، والإبقاء على سياسته في جعل يوم المواطن زاخرا بالمنغصات، فضلا عن غده المتوعدين به له بشكل دوري, وأظن أكثر المنغصات وأشدها قسوة على المواطن هي لقمة عيشه و (خبزته)، فراحوا يقضمون منها بين حين وآخر ماتمكنوا من قضمه، وصاروا يجتهدون بتجويعه في يومه، وترويعه بمستقبل أكثر جوعا، ومادامت هذه سياستهم المتبعة، فإنهم ارتأوا التشبث بكل مامن شأنه التأثير على موازنة بلده، بعد أن أيقنوا أنها اليد التي (توجعه) فأمسكوا بها بقبضة من حديد وصار شعارهم -جميعهم- (سنضرب المواطن بيد من حديد).
بالأمس زف لنا مصدر من مجلس النواب بشرى سارة -وماأٌقل البشائر السارة في بلدنا- إذ توقع نائب أن يصل مشروع موازنة العام 2016 إلى طاولة مجلس النواب يوم العاشر من هذا الشهر، ولكنه لمح مفيدا بأنها ستكون “موازنة ضرورة”..! والمقصود من هذا بعرف الاقتصاديين أنها دون موازنة استثمارية أو موازنة ترفيهية أو ضيافة أو إيفاد، وكما نقول؛ (يافرحة الماتمت) فقد رجح الرجل أن يواجه العراق أزمة مالية أكبر من تلك التي يواجهها الآن. وما أظننا بعيدين عن موازنة العامين المنصرمين، اللتين شكلتا شرخا كبيرا بين المواطن وحكومته، إذ لاخير في حكومة ينفلت منها زمام السيطرة على (خبزة) شعبها لالكارثة طارئة او نكبة خارجية، بل بسبب سرقات وفسادات تمفصلت في ركائز الدولة برمتها، إذ مامن مؤسسة في البلد اليوم إلا وهي مثقلة بقضايا الفساد بنوعيه، وندر مانجد شخصية تبوأت منصبا في الدولة إلا وكان لها باع في الرشاوى او العقود الوهمية، او التواطؤ او التباطؤ، وإن لم يكن واحدا من هذه فقلة الخبرة وعدم الأهلية للمنصب هما العنوان الأبرز والسمة الفارقة للشخصية القيادية تلك.
إنه لمن المؤلم حقا وصول المواطن إلى قناعة مريرة بواقع أكثر مرارة، هي أن حقوقه ومستقبله على كف عفريت، والعفريت هذا متمثل بـ (حرامي بيت) لاسيما بعد أن اتضح لديه بما لايقبل الشك ان ثروات بلده يتلاعب بها سراق انتخبهم بنفسهم وأوصلهم الى خزنة البلاد، فنكثوا عهدهم وحنثوا بقسمهم وأخلفوا وعودهم، وهم فوق هذا محصنون.. مدعومون.. منزهون.. مزكَون، بإمكانهم شفط أموال العباد بطرق خفية على الحاكم والرقيب، وكذلك غير قابلة للكشف من قبل “نزاهة” او “مساءلة” أو أية جهة رقابية أخرى.
أٌقول؛ (گرة عينكم) ياساستنا.. ياورثة (المرحوم) البارين على ماأوصلتم البلد اليه، وما بِركم به إلا لأنكم على عهده ماشون، وبنهجه سائرون، وعلى سياسته دائبون، وبآثاره قافون، وبتلابيبه معلقون، وبجلابيبه متشبثون، وقطعا أنتم مثله ملعونون، ذلك أنكم بخيرات البلد معيثون، ولثرواته سارقون، وبحقوق شعبه مزدرون، فبأي الموبقات من هذه تكذبون؟.