23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

برقت سيوف الرمش
 فشطرتني نصفين
وتثور غابات النخل غضباً
 لتحتل الصوبين
يغمض سكان الأرض أعينهم
هلعاً من فرط
شعاع لحاظ الشمسين
 قضيت سنيّ العمر هياما
أتفحص قلبي
في أيّ من الجهتين
تمزقت أشرعتي
وضاعت سفني
بين أرصفة الهمس
وموانئ الشفتين
فقررت أن أقطع صحراء الثلج
و بحار الشهد

وأسكن بين عتبات الساقين
اتغذى رحيقاً من حلمات الزهر
ويهز أذني خرير النهر
واتجه في سفري شمالاً
كي أملأ سلالي
من نور الجفنين
تحرك غمارهما قليلاً
فأفلتني صريعاً
 بين عناقيد الثغر وتفاح الخدين
فتدحرجت قتيلاً
وضاع دمي
وقطعت هضاباً و صحارى
وتسلقت جبالاً
أتبع ثأري
وأبحث عن نفسي الضائعة
فسمعت خبراً أنها تسكن
بين ربوع التلين
حملت بقايايَ لأكمل
سفري وأتيه في دنيا
يحكمها حرفين
تعرفت الى انس
ورافقت جن في سفري
نحو رحاب أرى قدري
يسير أمامي على قدمين
فسلمني صك خروجي
من دنيا يحكمها الواقع
لأعيش أسيراً
طوال حياتي
أعد حركات الرمشين
أنتظر هناك طويلاً
 كي تبدأ رحلتيَ الأخرى
نحو بلاد النهرين

سندباد _ هو عنوان القصيدة و هو لفظ مفرد  ضارب في القدم  و حتى ان أورده الكاتب نكرة فهو عند القارئ عاشق الحكايات معرفة فالسندباد بطل خيالي من أبطال ألف ليلة و ليلة و هو بحار من بغداد قام بسبع  رحلات تميزت بالمخاطر و الصعوبات فما العلاقة بين العنوان و القصيدة ؟ هل يقصد الشاعر نفسه بالسندباد و قد عرفنا ه شاعرا عراقيا ؟ الشاعر و السندباد  اذن ينتميان الى وطن  واحد هو العراق وهل في القصيدة ما يدل على الرحلة و الابحار ؟ ثم ما الغاية من الرحلة ان وجدت ؟أهي الاقلاع ام الارساء ؟  هل هي رحلة مغادر للوطن ؟أم هي رحلة عائد مشتاق الى الارض.. و الأهل.. الى عذوبة النهرين … الى تينك العينين غابتي النخيل ساعة السحر …………
الروي في هذه القصيدة هو روي متنوع ينسجم مع خصوصية الشعر الحر الذي قد تحررمن وحدة الروي الا اننا يمكن ان نتحدث في هذه القصيدة عما نسميه بالروي النواة و أقصد بذلك أكثر حرف  تكرر في نهاية الأسطر الشعرية و  الروي النواة هنا هو حرف النون  و تحديدا نون المثنى في كلمات  كثيرة مثل _نصفين _الصوبين _الشمسين _الجهتين _الشفتين …………..فما دلالة  هذين الاثنين اللذين أثرى تواترهما ايقاع القصيدة ؟لقد قامت القصيدة أساسا على قطبين اثنين هما قطبا العلاقة الغرامية ..الشاعر العاشق من جهة  و المرأة المعشوقة  من جهة اخرى و قد اتضح هذا الثنائي من خلال تكثيف استعمال المعجم الغزلي _الرمش _لحاظ _هياما _قلبي الهمس _الشفتين _الساقين …………….الا ان حضور المرأة في القصيدة كان حضورا رمزيا  اذ من خلالها تجسدت صورة الوطن العراق  تلك التي تحتضن النهرين دجلة و الفرات و التي تسكن في مقلتي الشاعر عنها يبحث و اليها يهزه الشوق و الحنين حنين السندباد الى بغداد  فمهما طالت الرحلة و امتد زمن البعد هام الشاعر السندباد شوقا للعودة و اللقاء  بالأرض بالأم بالوطن …شوق يخضّ دمه الى العراق كأن كل دمه اشتهاء ….كما قال السياب
ان حضور السندباد في القصيدة واضح من خلال استعمال الشاعر لمعجم الرحلة  _سفري  _أشرعتي _سفني  _موانئ _بحار _صحارى ……تلك رحلة تبحث لنفسها عن مرسى ..و مرفأ الشاعر هو العراق ..عراق …ليس سوى عراق …يقول في آخر القصيدة  أنتظر هناك طويلا _كي تبدأ رحلتي الاخرى _نحو بلاد النهرين ..هي رحلة للارساء اذن للاستقرار و الاحساس  بالسكينة في الوطن هكذا هو الانسان يحمل وطنه  في أعماقه اينما ذهب و تظل مشاهد الوطن عالقة في أحداقه مهما  ابتعد …ان  أوطاننا تسكننا أبدا و مهما تغرّبنا سنظل نردد منشدين _سنرجع يوما الى حينا  ..سنرجع مهما يمرّ الزمان ..و تنأى المسافات ما بيننا .