23 ديسمبر، 2024 3:31 ص

سنجار و دوامة الصراعات

سنجار و دوامة الصراعات

مدينة سنجار تقع غرب محافظة نينوى شمال العراق ويسكنها الايزيديين والعرب والتركمان والأكراد وتعد ذات موقع استراتيجي مهم ونقطة عبور مع سوريا.
منذ تحرير سنجار في عام 2015 شهدت تعقيدات أمنية و إدارية وذلك لتعدد الجهات والقوى العسكرية التي سيطرت على المدينة بعد تحريرها، كل ذلك أنتج حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني في المدينة.
في عام 2020 حصلَ إتفاق بين الحكومة الاتحادية في بغداد و حكومة إقليم كردستان العراق لتطبيع الأوضاع في مدينة سنجار من الناحية الأمنية والإدارية ومن أهم ما نص عليه الإتفاق هو إخراج حزب العمال الكردستاني التركي و فصائل مسلحة أخرى، لكن الإتفاق إلى هذه اللحظة لم يثمر على أرض الواقع.
إن من أهم الأسباب لتعثر تطبيق إتفاق تطبيع الأوضاع في سنجار هو عدم وجود مبدأ الثقة بين أربيل وبغداد فيما يتعلق بمستقبل سنجار إذا ما كانت ستتحول إلى إقليم أو محافظة تابعة لحكومة بغداد أو جزء من إقليم كردستان.
وكذلك رفض الإتفاقية من طرف الايزيديين إلى جانب رفض فصائل الحشد الشعبي الموجودة في سنجار ترك المنطقة وليس ذلك فقط إضافة إلى رفض بعض القوى السياسية العراقية فيما يتعلق بإخراج الفصائل التابعة للحشد الشعبي من مدينة سنجار.
إن مدينة سنجار تتمتع بموقع استراتيجي مهم على الشريط الحدودي الممتد حتى الأراضي السورية وصولاً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط وهذا يعد موقع استراتيجي بالغ الأهمية لنفوذ طهران و أنقرة فكلاهما يدركان أهمية سنجار و موقعها الاستراتيجي.
يبدو أن إيران لم تعد تهتم كثيراً بالطريق الدولي الاستراتيجي بإتجاه مدينة القائم الحدودية مع سوريا بعد ازدياد الضربات الجوية الأمريكية و الاسرائيلية فأصبح ذلك الطريق يشكل خطورة بالغة على الفصائل المسلحة مقارنة بطريق سنجار الحدودي مع سوريا فهو آمن و ذو أهمية جيدة و استراتيجية ولا ننسى أن مدينة سنجار يمر من خلالها طريق الحرير مروراً إلى سوريا بإتجاه البحر الأبيض المتوسط.
كل ذلك له أهمية إقتصادية كبيرة و مرور آمن لدعم الفصائل من العراق و سوريا.
أما الأتراك فيبدو أن لهم رأي آخر بخصوص سنجار والذي تمثلَ بتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يناير 2021 بشن عملية عسكرية واسعة في سنجار والتي تُعتبر في استراتيجيات أنقرة مهددة للأمن القومي التركي.
في إحدى المرات قال أردوغان بشأن تنفيذ عمليات في سنجار حيث قال”لا يمكن الإعلان عن موعد تنفيذ أي عملية و إننا نأتي على حين غرة ذات ليلة”
إحدى الزيارات الغير معلن عنها في العراق والتي تمثلت بزيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار برفقة رئيس الأركان يشار غولر إذ ذكرَ وزير الدفاع التركي بأن تركيا تحترم سيادة العراق و أشارَ في حديثه بأن الإرهاب يمثل تهديداً للعراق و تركيا مُشيراً إلى ضرورة التعاون والتنسيق مهمان في مكافحة التنظيمات الإرهابية وإن بلاده مستعدة لتقديم الدعم للعراق.
العمليات العسكرية التركية مستمرة ضد حزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق وبين وقت وآخر تنفذ الطائرات التركية والمدفعية قصف القرى على رؤوس ساكنيها من المواطنين البسطاء.
يبدو أن مفهوم إحترام السيادة عند أنقرة مفهوم آخر ومغاير غير الذي يعرفه العالم و القانون الدولي.
أما موقف واشنطن من هذا الصراع على أرض سنجار موقف بارد و متفرج و ربما هناك دفع من الامريكان للأتراك من وراء الستارة لزج أردوغان في حروب عبثية ومُنهِكة وبالتالي سيصطدم أردوغان بمصالح ونفوذ طهران وهنا ستحدث مواجهة بين إيران و تركيا، و ربما كل ذلك كما أسلفت مدبر من قبل واشنطن لإضعاف القوة التركية وفي نفس الوقت القضاء على نفوذ طهران في سنجار والمنطقة.
أمريكا تعي بأن قوتا أنقرة و طهران أصبحتا قوتينِ مؤثرتينِ في المنطقة العربية والشرق الأوسط وتهددانِ وتنازعانِ مصالح و نفوذ أمريكا و أوربا.
لا يخفى عن الجميع نية أنقرة لشن عمليات عسكرية في سنجار وذلك لإدامة الحرب ضد حزب العمال الكردستاني التركي وكل ذلك لتحقيق عدة مكاسب وأهداف تصب بصالح أنقرة ومن أهمها السعي إلى حظر مرور حزب العمال الكردستاني عبر العراق و سوريا إلى تركيا و إقامة قواعد مؤقتة في جميع المناطق الشمالية للعراق حتى بداية الحدود السورية مع تأمين الحدود العراقية التركية بالكامل والتي تتمثل بإفتتاح المعبر الحدودي الجديد أوفاكوي_فيشخابور الذي يصل الطريق المؤدي إليه إلى تلعفر والموصل ومن ثم يمتدد إلى بغداد وحتى جنوب البصرة وذلك لتعزيز الدور التركي الإقتصادي والأمني.
إضافة إلى ذلك إن أردوغان يواجه صعوبات على مستوى السياسة الداخلية في تركيا و أزمة كورونا مع إرتفاع نسبة البطالة في تركيا والصراعات السياسية داخل حزب العدالة والتنمية مما أدى إلى تراجع في شعبية أردوغان داخل تركيا و اتخاذه من تصريحاته بخصوص سنجار وحربه ضد حزب العمال الكردستاني التركي محاولات لرفع رصيده السياسي و تقوية شعبيته في تركيا.
أما بخصوص العمليات العسكرية التي ترغب تركيا بشنها والتي تتمثل بعدة فرضيات و سيناريوهات.
من خلال زيارة وزير الدفاع التركي برفقة رئيس الأركان إلى بغداد و أربيل في 18يناير 2021 وبعثة حلف شمال الأطلسي وحتى تصريحات رجب طيب أردوغان بخصوص في سنجار كل ذلك يُشير إلى رغبة أنقرة المُلِحة بشن عملية عسكرية واسعة في سنجار ضد حزب العمال الكردستاني التركي أما الجانب العراقي لم يُبدي أي تصريح بهذا الشأن بالرغم من تصريحات وزير الدفاع التركي بأنه تم التوصل إلى تفاهمات مع العراق بشأن حزب العمال الكردستاني.
أما الفرضية الثانية ففي ظل الواقع الأمني المعقد في سنجار
و تردد الجانب العراقي في إعطاء موقف واضح من المشاركة في أي عملية عسكرية وحتى عدم رغبة الإقليم في مشاركة قوات قوات البيشمركة والإقتصار على الدعم السياسي.
كل ذلك قد يدفع أنقرة إلى شن عمليات عسكرية محدودة من خلال إستخدام القصف الجوي والمدفعي ضد موقع حزب العمال الكردستاني التركي.
و ربما قد تتأجل العملية العسكرية برمتها ضد حزب العمال الكردستاني ولأسباب عديدة منها سياسية و أمنية و استتراتيجية، بالرغم من استعداد أنقرة لشن عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني التركي لكنها دائماً ما تصطدم بالوضع الأمني والاستتراتيجي والعسكري في سنجار الذي يعد واقع معقد للغاية.
تركيا تعي تلك الصعوبات التي تواجهها على أرض سنجار وإن أي عملية عسكرية لن تنجح إلا إذا حصَّلت على توافق دولي و إقليمي و محلي في تحركاتها ضد حزب العمال الكردستاني التركي.