23 ديسمبر، 2024 6:49 ص

سنجار بين الاتفاق المُؤجل والمستقبل المجهول!

سنجار بين الاتفاق المُؤجل والمستقبل المجهول!

تمثل مدينة سنجار العراقية التي تقع على بُعد ١٢٠ كم غرب الموصل “مركز محافظة نينوى” والتي يسكنها خليط من الايزيدين والمسلمين من العرب والكرد تمثل واقعًا مأزومًا هو انعكاس للواقع العراقي بشكل عام، وبالتالي فإن محاولة استقراء مستقبل هذه المدينة يكاد يكون استقراءً تامًا لمستقبل العراق ومألات الصراع فيه. وما حصل ويحصل في سنجار من تجاذبات وصراعات هو في حقيقته صورة مصغرة للصراعات الدائرة في بغداد و كركوك وديالى، حيث إن المسألة تجاوزت البُعد المحلي الضيق لتصل للبُعد الإقليمي الارحب.
ولفهم أزمة سنجار وتشابك الاحداث فيها ينبغي العودة قليلا للوراء، حيث فرضت قوات البيشمركة الكردية وتحديدًا التابعة منها للحزب الديمقراطي الكردستانيّ سيطرتها على المدينة في اعقاب احداث نيسان ٢٠٠٣، لتندرج المدينة ضمن ما سَيعرف لاحقًا بـ”المناطق المتنازع عليها”، وقد واجهت سيطرة البيشمركة مُعارضة عربية فضلا عن رفض بعض الأيزيدين لها، فالعرب رفضوا بأن تُلحق مناطقهم بالإقليم الكردي، وبعض من الأيزيدين عارضوا الفكرة التي روج لها الحزب الديمقراطي بكون طائفتهم جزء من القومية الكردية حيث إنهم يرون انفسهم يمثلون “قومية مستقلة” ومَثل هذا الإتجاه “وعد مطو” رئيس حزب التقدم الأيزيدي الذي قضى سنوات من عمره سجينًا في مُعتقلات الأمن الكردي “الاسايش”!
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى حزيران ٢٠١٤ أي في العام الذي انهارت القوات العراقية تحت تأثير ضربات تنظيم الدولة وخسرت مواقعها في نينوى، غير أن مناطق سيطرة البيشمركة في المُحافظة بقيت هادئة حتى بداية آب من ذات العام إذ شن التنظيم سلسة هجمات منسقة على المناطق المتنازع عليها وسيطر على اغلبها دون معارك تُذكر ومن هذه المناطق سنجار لتكون هذه الحادثة المُمهد الفعلي لمأساة الايزيديات بشكلها المعروف وتفاصيلها المشهورة.
آثار انسحاب البيشمركة المفاجئ ردود فعل سلبية لدى الايزيدين الذين اتهموها بالتقصير في حمايتهم ومن جانب آخر استغلت “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية المرتبطة بحزب العمال الحدث لتعبر الحدود العراقية وبدأت بتجنيد مقاتلين ايزيدين في صفوفها لمواجهة التنظيم، وهذا ما أدى لظهور قوة جديدة على الارض العراقية، وبعد استعادة سنجار في نوفمبر ٢٠١٥ من قبل قوات البيشمركة المسنودة بالتحالف الدولي بدأت أولى مظاهر الأزمة بالبروز فالقوات المحلية من الايزيديين التابعة لحزب العُمال كانت قد احكمت سيطرتها على سنجار واضطر محما خليل قائمقام سنجار وعضو الحزب الديمقراطي لادارة المدينة من دهوك دون أن يجرؤ على دخولها، واستمر الوضع بين شد وجذب بين الجانبين حتى اكتوبر ٢٠١٧ وما تبعه تداعيات لاستفتاء شمال العراق.
في اعقاب احداث ١٦ اكتوبر وما تلاها من ابعاد للبيشمركة عن المناطق المتنازع عليها دخلت القوات العراقية لسنجار فوجدت نفسها أمام واقع جديد إذ تتمركز في القضاء قوات محلية ايزيدية مرتبطة بحزب العُمال الكردستاني، فعملت الحكومة العراقية على دمج هذه القوات ضمن الحشد الشعبي في خطوة “ساذجة” رسخت تواجد حزب العمال في المنطقة، وهذا ما أدى لإثارة حفيظة تركيا التي كررت قصفها في مناسبات عديدة لسنجار، فضلا عن تهديدها بالقيام بحملة عسكرية برية تستهدف المنطقة وتهدف لمنع حزب العمال من تحويل سنجار لـ”قنديل ثانية” أو استغلالها كممر بين معاقل الحزب في سوريا وجبال قنديل في شمال العراق.
في اواخر ٢٠٢٠ اعلنت الحكومة العراقية ما اسمته “اتفاقية سنجار التاريخية” التي تضمنت ابعاد كافة القوى المسلحة عن المدينة وتطبيع الاوضاع فيها تمهيدًا لعودة النازحين في مخيمات دهوك، ورغم مرور أكثر من سنة على الاعلان لم يتم تنفيذ شيء من الاتفاقية فالحشد الشعبي وحزب العُمال رفضا بشكل قطعي عودة البيشمركة وحَركت الفصائل الايزيدية جمهورها للتظاهر ضدها، ويبدو أن الانقسامات بين هذه الاجنحة والاطراف منع لحد الان من وضع الاتفاقية موضع التطبيق، مما يشير لعجز الدولة عن فرض ارادتها حتى على الاطراف التي يُفترض أنها جزء من مؤسستها الأمنية!
وأما بالنسبة للسيناريوهات المتوقعة للمستقبل، فإن المُعطيات تشير لكون حكومتي المركز والإقليم هما الحلقتان الاضعف في المعادلة وأن ارادتهما لا يمكن أن تتم، وإن المواجهة الحقيقية المتوقع حدوثها هي بين الاتراك من جهة وبين الحشد الشعبي وحزب العمال من جهة ثانية، خاصة بعدما تردد من انباء عن كون “اتفاقية سنجار” جاءت كترضية للجانب التركي في محاولة لاقناعهم بجدية الحكومة العراقية في انهاء وجود حزب العُمال على اراضيه، وبالتالي فإن فشل الحكومة العراقية في تنفيذ الاتفاق يُمهد لقيام تركيا بالعملية العسكرية الموعودة التي تستهدف الحدود العراقية السورية عبر سنجار في خطوة تتضمن إقامة نقاط مراقبة دائمية لمنع مقاتلي الحزب من الانتقال بين الدولتين.
مما لاشك فيه أن ما جرى في سنجار من مأسي وما تبعه من تخبط في إدارة ملفها الأمني يمثل عجز حقيقي للدولة العراقية يمكن أن يفضي لا إلى تهديد الوحدة الوطنية فقط بل يفتح الباب على مصراعيه لجعل المدن العراقية ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية.