21 أبريل، 2024 12:56 ص
Search
Close this search box.

سنتان من أوهام الكراسي

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ ستينات القرن الماضي لم أتوقف عن قراءة مذكرات لشخصيات بارزة عالمية وعربية وعراقية.. نهلتُ منها دروساً رائعة.. مثلما سَخِرتُ من العديد من المذكرات لما تضمنته من شطحات وافتراءات ونفاق وكذب وحتى تناقض وتزيف للتاريخ (كمذكرات نانسي ريغان زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق).. ومذكرات حازم جواد (وزير رئاسة الجمهورية ووزير الداخلية العام 1963).. البعض يعيد طبع مذكراته وفق الظروف.. وبالتالي يحدث تناقضاً كبيراً في الأحداث والروئ والمواقف.. فيفقد الشخص ماضيه بلا سبب.. كمذكرات خليل كنه (أحد وزراء العهد الملكي في العراق).. الذي أعاد كتابتها في العهد الجمهوري بشكل يناقض الأحداث ومواقفه.
ما أثار اهتمامي مذكرات المهاتما غاندي.. وونستون تشرشل.. وشارل ديغول.. والملك حسين.. وإبراهيم كبه في كتابه: “هذا هو طريق 14 تموز”.. حيث أعدت قرأتً هذه المذكرات لهؤلاء العمالقة أكثر من مرة لما فيها من دروس وعبر.
ووفق قاعدة كتابة المذكرات وهم أحياء.. أعطى أحد الوزراء المصريين صورة حية للواقع.. ففي مذكراته العام 1954 كتب هذا الوزير تحت عنوان “سنتان من أوهام الكراسي” سلطً فيها على أحداث سياسية واجتماعية عاشها هذا الوزير.. ومنها يقول: “بعد إعفائي من المنصب ذهبتُ في اليوم الثاني إلى مكان عملي لتقديم التهنئة إلى الوزير الجديد والتمنيات القلبية له بالتوفيق.. كذلك لتسليمه الملفات وبعض المتعلقات والقضايا التي لم تنجز وتستحق المتابعة”.
لكن هذا الوزير المعفي واجه خلال تلك الزيارة من المفاجآت لا تصدق حتى في الأحلام..من أغربها.. كما يقول في مذكراته: “عندما دخلتُ غرفة مدير مكتب الوزير” الذي هو نفسه مدير مكتبي” وانه لأمرٍ مخجل أن أتحدث عن الجنيهات الخمسة التي كنتُ أدفعها له مساعدة شهرية” لان أسرته كبيرة ويرعى والدته المريضة” وفي كل مرة أقدم له المساعدة يجهش بالبكاء” ويدعو ليً بالتوفيق والعافية” إلا انه في ذلك اليوم منعني من الدخول إلى مكتبي” لأن الوزير الجديد وصل قبلي” ولم يتحرج هذا (الطرطور) عن مواجهتي بهذه العبارة: “آسف حضرة الباشا.. لقد جئتً من دون موعد مسبق مع معالي الوزير”….. بربكم كيف أردُ عليه؟.
مثل هذا الموقف مرَ بيً (أنا كاتب هذه المقالة) فبعد إحالتي على التقاعد أوائل العام 1984 راجعتُ المسؤول الجديد.. الذي شغل موقعي لأمر رسمي يخص العمل.. فمنعني مدير مكتب المسؤول الجديد.. وكان هو نفسه مدير مكتبي.. الذي كان يشيد بأخلاقي وعملي بشكل لا يصدق!! وقال ليَ بصلافه: “أستاذ ليس لديك موعد مسبق”.
يبدو أن أفضل المذكرات هي التي يكتبها أصحابها وهم أحياء.. فبعد وفاته قد يتدخل الورثة في كتابتها فيشوهونها.. أو حتى يحرفونها في بعض الأحيان.. أو قد يحذفون بعض الحقائق منها.. لاعتقادهم إنها تسيء لصاحبها أو تسيء إليهم.. في حين قد تكون مهمة لتبيان حقائق تخص العامة والمجتمع والتاريخ.
ووفق قاعدة كتابة مذكرات الأشخاص وهم أحياء.. عملتُ (أنا كاتب هذه المقالة) على كتابة أحداث كبيرة ومهمة.. سواء كانت خاصة بيً.. أو قضايا عامة وقعت أمامي.. أو شاركتُ بها بشكل أو بآخر.. كتبتها بحقيقتها مجردةً .. ولم ابرر أو أضخم مواقف وأحداث مرت بيً أو شاهدتها.. كما لم امدح أو أشيد بمن قدم ليً عوناً أو مساعدة.. ولم أذم أو أسيْ لم آذاني بكل الأشكال حتى في قطع رزقي.
واعتقد جازماً.. وفي كل الأحوال تعتبر “محطات في حياتي” دروساً وعبرة للقارئ مثلما تشكل جزء من تاريخ العراق بشكل أو بآخر.. نشرتُ معظمها في الصحف والمجلات على شكل حلقات: “محطات في حياتي”.. وإن شاء الله بعد استكمالها سأنشرها بكتاب.. متخذاً من الحقيقة الأساس في كتابتي.. حتى لو كان موقفي خطأ..
ما يثير الاستغراب إن قاعدة (كتابة المذكرات وهم أحياء) لا تنطبق على الكثير من مذكرات لشخصيات سياسية عراقية أحياء كتبت مذكراتهم ونشرت في المرحلة الحالية.. لأنها تتضمن مبالغات وأمور لم تحدث مطلقا.. أو مخالفات لأبسط الحقائق والأحداث والوثائق.
الأغرب إن كتابة المذكرات أودت بحياة العديد من الشخصيات فعلى سبيل المثال: صالح مهدي عماش.. نائب رئيس الجمهورية في عهد أحمد حسن البكر.. الذي تعهد أن يسكت ولن يكتب مذكراته.. لكنه مات مسموما.. لأنهم شعروا انه يكتب بعض الملاحظات عندما أبعدوه سفيراً في إحدى الدول الاسكندينافية.. كذلك اغتيل عبد الرزاق النايف.. رئيس وزراء انقلاب 17 تموز 1968.. بعد ثلاثة أيام من تسليمه مذكراته إلى الناشر في 8 تموز 1978 في لندن.. واختفى الناشر والمذكرات.. ويقال إن الفنانة سعاد حسني.. وكذلك الفنانة أسمهان اغتيلتا بعد أن عرف إنهنً كنً يكتبنً مذكراتهنً!! مع ذلك تبقى المذكرات دروساً وعبر للآخرين.
بقيً أن نقول: ماذا سيكتب سياسيو عراق اليوم بمذكراتهم..عن الطائفية.. عن نهب موازنة 15 سنة أي تريليون دولار.. أم سلموا المحافظات العراقية ل300 مسلح ببنادق عادية.. ولديهم جيش جرار.. يمتلك أسلحة 200 مليار دولار.. أم إنهم أخذوا رواتب وامتيازات هائلة عن جهادهم السياحي في خارج العراق؟؟؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب