من اين نبدأ الحكاية .. واية حكاية, انها حكاية اناس ذاقوا الوان العذاب, وتجرعوا صنوف الماسي, وحملوا جبالا من الهموم, نتحدث هنا عن سنة العراق, بناة هذا البلد وابناءه الاصلاء , المدافعون عن ترابه, والذائدون عن حياضه, والحاملون لواءه.
عاش ابناء العراق في كنفه جميعا منذ تأسيس الدولة العراقية بصورة متساوية, لا فضل لعربيهم على كرديهم ولاميزة فيه لسنيهم على شيعيهم, بل ربما لم يعرف العراقيون هذه المسميات الا في نطاق ضيق واوقات محدودة, قد تتولد نتيجة ظروف معينة بسبب تدخل هذا الطرف او ذاك بالعزف على اوتار الفتنة, دون ان ننكر وجود اختلافات دينية او سياسية لكنها لم تخرق جدار الوطنية والتعايش الا في نطاق ضيق.
وظلت السفينة تبحر في المياه الدافئة حتى زحفت جحافل المحتلين صوب بغداد الرشيد, فكانت نقطة التحول او ان شئت فقل نقطة الانفجار في كل الاتجاهات.
وعلى الرغم من ان المعاناة السنية شهدت مدا وجزرا, فتخف حينا وتشتد احيانا, لكنها بالمجمل اخذت الاشكال الاتية:
1- التهم والنعوت الظالمة : فأول ماعاناه سنة العراق بعد الاحتلال هو تحميلهم لاخطاء الحكومات السابقة خاصة الاخيرة, فراحت الشتائم واللعنات تهبط عليهم من كل حدب وصوب, فصاروا بين ليلة وضخاها اقلية مستبدة, وشوفينية, وازلام النظام البائد, ثم تحولت التهم الى وصمهم بالارهاب والتطرف, لا لشئ الا لانهم رفعوا العار عن العراق والعرب باكملهم حين حملوا راية المقاومة واخرجوا المحتلين اذلة صاغرين.
2- المعاناة الامنية : وهي الاخطر والاشد فتكا, فقد تعرض سنة العراق الى عمليات قتل منظم وتصفية جسدية, سواء على يد القوات الغازية او من خلفها من الميليشيات الطائفية التابعة لايران, فبشهادة منظمات دولية رسمية وغير رسمية دفع السنة مئات الالوف من ارواح ابنائهم على يد فرق الموت, وحتى القوات الحكومية التي اصطبغت هي الاخرى بصبغة طائفية فتلطخت يدها بدماء ابناء بلدها بدلا من ان تدافع عنهم.
كما تعرض السنة الى تغييب قسري في سجون معلومة ومجهولة بحملات اعتقال منظمة, وتعرضوا لصنوف من التعذيب ما يشيب لهوله الولدان, فارتكبت بحقهم في المعتقلات من البشاعات ما يفوق تلك التي فعلتها محاكم التفتيش, فمن منا لايتذكر حوادث “الدريل” والخنق, والحرق بالتيزاب, والاغتصاب وغيرها من الفضائع, ولازال عشرات الالوف من المعتقلين يقبعون الى اليوم في غياهب السجون دون محاكمة, فضلا الاف المفقودين.
لقد عاش السنة سنوات رعب لامثيل لها, فكانت هوية الواحد منهم او اسمه او منطقته كفيلة بارساله الى المقبرة دون تأشيرة. كما عانت المدن السنية من حملات عسكرية متتالية بدات بالحملة على الفلوجة وقصفها بالفسفور الابيض, مرورا بسامراء والصينية وديالى والحويجة ووصولا الى الموصل وشقيقاتها, التي تحولت اليوم الى جبهات مفتوحة لتصفية الحسابات بين قوى دولية واقليمية, بينما ينعم غيرها بالامن والاستقرار.
ومن بين اشكال الاضطهاد الامني, عمليات التهجير المتكررة التي طالت ابناء هذا المكون, فاصبحوا لاجئين في دول اخرى او نازحين الى محافظات مجاورة, بعد ان صارت ديارهم يبابا تنعق بها الغربان.
3- الظلم بالتهميش والاقصاء: فقد اعطي السنة اقل بكثير من حجمهم الحقيقي, وفرض عليهم ان يلعبوا دورا ثانويا في العملية السياسية, جفاهم الدستور, ومنعهم التزوير المفضوح من نيل التمثيل الحقيقي, حظر عليهم منصب رئاسة الجمهورية او رئاسة الحكومة حتى بعد ان فازت قائمتهم بالانتخابات, حوربوا في ارزاقهم فلم ينالوا عشر معشار ما نال غيرهم في مؤسسات الدولة لاسيما الامنية منها.
4- العدوان على عقيدتهم وتاريخهم : فقد تعرض السنة في العراق الى حملة شعواء ربما لم يشهد لها التاريخ مثيلا, استهدفت ثوابت الامة ورموزها, فهدمت المساجد واحرقت المصاحف, ملأت الشعارات الطائفية شوارعهم, وسُبَّ اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جهارا نهارا دون رادع, وتعرضت المناهج الدراسية الى عملية تشويه منظمة لتاريخهم الحضاري وعقيدتهم, واصبح الشاب عرضة للاعتقال بتهمة صلاة الفجر.
ورب قائل يقول ان هذه المعاناة تساوى فيها الجميع, لكن الواقع والاحصاءات تؤكد ان ما قاساه السنة يعد اضعاف اضعاف غيرهم من حيث الحجم والمساحة الزمانية والمكانية, هذا من جانب, ومن جانب اخر فان البلاد اليوم قد دانت لغيرهم, فشركاء الوطن هم الذين يمسكون بزمام الحكم, يساعدهم في ذلك حلفاء من قريب ومن بعيد, بينما ترك السنة وحدهم في موج متلاطم ليس لهم ناصر او معين الا الله.
والتاريخ القريب يؤكد ان السنة عندما قادوا العراق كان التعايش هو السائد, بشهادة الجميع, وعندما آلت الامور الى غيرهم اندلعت الحروب الطائفية واشتعلت البلاد حروبا وازمات :
ملكنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سـال بالدم ابطـح
وحللتم قتل الاسارى وطالما غدونا على الاسرى نعف ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل اناء بالـذي فيـه ينضـح