المقصود من السنة هنا الطبقة السياسية _من سياسيين ورجال دين وشيوخ عشائر_ وليس عموم السنة, تلك الطبقة التي مثلت وتمثل جمهور السنة في العملية السياسية الجارية. لقد لعبت الطبقة السياسية السنية دوراً خطيراً في صياغة الرأي السني العام في العراق وتحشيده سلبياً, ونستطيع القول انها كانت وراء كل المآسي التي حلت بسنة العراق منذ 2003 والى يومنا هذا.
ان عملية اسقاط نظام صدام شكلت صدمة كبيرة ليست لسنة العراق فحسب بل لما يسمى بنظام الامن العربي ايضاً لأنها ادت الى احداث تغيير جوهري في المعادلة التي قام عليها النظام السياسي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1920, تلك المعادلة التي تشكلت وفقاً لإتفاقية بيرسي كوكس- عبد الرحمن النقيب, وعلى ضوء هذه الاتفاقية تم تسليم الاقلية السنية في العراق مقاليد الحكم وامتيازاته وتهميش الاكثرية من شيعة وأكراد.
ان ماحدث في 9 نيسان 2003 هو ليس اسقاط نظام صدام فحسب بل اسقاط النظام السياسي الذي حكم العراق ما يقارب من 83 عاماً حيث تمتع سنة العراق طوال هذه المدة بإمتيازات الحكم والسلطة على حساب شركائهم في الوطن. فجأة فقد السنة الحكم والسلطة ومعهما الامتيازات وبات عليهم الرضوخ للواقع السياسي الجديد الذي فرضته عملية التغيير والقبول بوصول الشيعة
والاكراد الى الحكم والتشارك معهم بعملية ادارة الدولة والانتفاع من مواردها وامتيازاتها من دون اقصاء او تمييز كما كان يحدث من قبل.
لم تستطع الطبقة السياسية التي مثلت سنة العراق بشكل عام القبول بالواقع الجديد, وبدلاً من ذلك فضلت مقاطعة العملية السياسية والوقوف بوجهها. والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي ان اختطاف القرار السني من قبل متطرفي السنة من بعثيين وطائفيين, وهؤلاء بفضل علاقاتهم مع بعض المخابرات الاقليمية تسيدوا المشهد السني وصاروا يقودونه. ان الطبقة السياسية السنية التي تعمل بالعلن او بالخفاء تحولت في اغلب مراحل عملها الى بيادق تحركها اجندة خارجية, وسيطر على التفكير السني منطق المقاطعة ومن بعده التمرد على الواقع الجديد. وضعت الطبقة السياسية السنية لنفسها وبتأثير مباشر من الدول الداعمة لها هدفاً استراتيجياً تعمل لتحقيقه وهو افشال النظام السياسي الجديد واعادة عقارب الساعة الى الوراء, ولأجل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي اتبعت خطوات تكتيكية تراوحت بين المقاطعة والتمرد المسلح واحتضان القاعدة ووصل اوجها الى الاعتصامات ومن ثم الاستعانة بتنظيم داعش الارهابي الذي بسط سيطرته على مساحات شاسعة من المدن السنية.
علينا ان لا ننكر وجود بعض الاصوات المعتدلة بين الطبقة السياسية السنية التي رفضت منهج المقاطعة او المواجهة الا ان هذه الاصوات لم تستطع فرض رؤيتها بسبب المتشددين السنة. لقد جرب سنة العراق كل الاساليب في سبيل افشال النظام السياسي الجديد وهنا لابد من الاقرار انهم نجحوا طوال عقد من الزمن في عرقلة بناء الدولة وتعقيد المشهد السياسي تحت يافطة (تهميش المكون السني). وللأمانة ان تهميشاً قد لحق بهم لكن ليس لكونهم سنة كما يحاول السياسيون الطائفيون ترويجه, بل التهميش الذي لحق بهم وبمناطقهم هو جزء من التهميش الذي لحق بأغلب مناطق العراق بإستثناء اقليم كردستان. ان الحيف والظلم الذي لحق بمدن الجنوب التي تتركز فيها ثروة العراق النفطية لايقل عن الحيف الذي لحق بمدن المنطقة الغربية والسبب في ذلك يعود الى فشل الحكومات التي تعاقبت على ادارة دفة الدولة في تقديم الخدمات والفساد الذي تفشى في مؤسسات الدولة وجزء غير قليل من هذا الفشل تتحمله الاطراف السنية التي ناكفت النظام السياسي الجديد العداء.
والسؤال الى اين يمضي سنة العراق؟ الجواب كل المؤشرات تقول انهم يمضون الى الانتحار السياسي اذا ما استمروا بذات السياسة التي انتهجوها منذ سقوط نظام صدام, واذ لاتزال بعض الاطراف السنية تعول على التدخل الخارجي اي كان هذا التدخل ارهاباً كما قامت به القاعدة ايام الزرقاوي او تقوم به الان داعش, او تدخلاً دولياً او حتى اقليمياً وهذا ما يفسر لنا هرولة بعض السياسيين السنة المتطرفين للاستقواء بالولايات المتحدة ضد شركائهم في الوطن, وهذا الامر يشكل مفارقة سياسية خطيرة اذ كان السنة يناصبون القوات الامريكية التي اسقطت نظام صدام العداء والآن يتوسلون بها للقدوم الى مناطقهم ومدنهم.
اليوم توجد امام السنة فرصة تاريخية لترتيب اوراقهم والقبول بالامر الواقع الذي انتجته السنوات العشر المنصرمة بما يمنع انسلاخهم عن النسيج الوطني العراقي وعدم الركون الى الدعوات المتطرفة. لا سبيل امام السنة سوى التعايش السلمي مع بقية شركاء الوطن على قاعدة المواطنة الصالحة, فلقد اثبتت احداث الموصل واستدعاء داعش فشل نظرية الاستقواء بالخارج, وان سكين داعش بدأت تحز برقاب السنة انفسهم كما حصل مع عشيرة البونمر. ان على السياسيين السنة التحلي بالحكمة وعدم الانجرار وراء الاجندات المشبوهة والوعود الامريكية التي ستثبت الايام انها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا. وحدهم المغفلون من يثقون بوعود امريكا لأنه وببساطة امريكا دولة تحركها مصالحا العليا وليست منظمة خيرية.