قد يكون الأديب العالمي غارسيا ماركيز محقاً في قوله:(لا ينتسب الإنسان الى أرض لا موتى له فيها وتحت ترابها)، لأن الأموات فوق مقابر التأريخ الغريبة، لاهون بقتل الوقت وينتظرون يوم الواقعة تتبعها الراجفة، ولكن ما مصير مَنْ لا يعرف لهم قبر؟ نعم هناك الكثير من الأبرياء، لم يذكرهم التأريخ ليس لغفلته عنهم، بل لأن مصيرهم مجهول لا تعرف نهايته، فتقاسيم الليل الداعشي تركت آثارها، على بيوت وأزقة الموصل الحدباء، ويا له من ليل أرخى سدوله!
لوعة الغياب وصناعة الرعب، تم في ليلة وضحاها على يد تكفيري العصر الحديث، ليديروا أزمة إسلامهم المزيف بشعارات رنانة، تتمثل بإسترجاع القوق المغتصبة، مع أن يد هؤلاء الصعاليك بطشوا بالبشر والحجر، وإصبحت جثامين الأنبياء في العراء، والموتى بلا سقوف، وعباءة الموصل تمزقت على يد شرذمة، تعشق رائحة الدم والعنف، فزحفوا وحطموا كل شيء عريق بأم الربيعين، فقد جالت على صدر الحدباء، أنواع من الزواحف المستذئبة، والعناكب السامة، والخنازير والجرذان، محاولين إعلان دولة الخرافة لا الخلافة.
سناء حاكم(أم أحمد) سيدة عراقية من الموصل، زوجة أحد شهداء الجيش العراقي، تسكن مدينة تلكيف تبلغ من العمر( 43)سنة، جُلد إبنها (أحمد) 200 جلدة لمشاهدته مباراة رياضية، وأثناء إستعراض عسكري للدواعش، في الأيام الأولى لدخولهم أرض نينوى، قامت بضرب داعشي أفغاني، بقضيب حديد إقتلعته من الرصيف، فإعتقلها الدواعش وإقتادوها لجهة مجهولة، ولم يعرف مصيرها حتى الآن، حالها كحال المختطفات الأخريات من الأيزيديات، حين نامت أسوار الأرض وأكلها الصدأ، فأين إستقرت بكِ الدنيا يا سناء؟
مناهضة العنف ضد المرأة موضوع بات في غاية الأهمية، خاصة وأن المرأة تتعرض الآن الى أنواع كثيرة من العنف: (النفسي، والجسدي، واللفظي، والأسري، والمجتمعي)، فكيف بحال السيدة الموصلية (سناء حاكم)، وهي قد إختارت مواجهة العدو والتصدي له، على الإستسلام والخضوع لهؤلاء الأوباش، الذين دخلوا خيمة الحدباء وشتتوا أمر نينوى، لكن عزة وشموخ هذه المرأة العراقية، يثبت أن للنساء دور مكمل للرجال، فقد منح زوجها حياته فداء للوطن، وكانت أم أحمد وغيرها لأسرهنَّ، وأولادهنَّ، هنَّ الوطن.