قرأت اسمه لاول مرة في عام 2003 , عندما بدأت جريدة الشرق الاوسط اللندنية تباع في اسواق بغداد, وقد أدهشتني تلك الجريدة في حينهاو خصوصا شكلها التقني والفني, وبما تنشره من مقالات واخبار وتعليقات متنوعة جديدة جدا بالنسبة لي كقارئ متعود على نمط واحدمن جرائد العراق آنذاك , و لهذا كنت احرص على متابعتها يوميا, وهكذا انتبهت الى اسم الاستاذ سمير عطا الله ومقالاته في الصفحة الاخيرة من الجريدة لما كان يتميز به من آراء وملاحظات وافكار ذكية وطريفة معروضة باسلوب واضح وجميل و وجيز وجذاب, وبدأت احرص على قراءة مقالاته ومتابعتهالاعجابي بها وبحيويتها وجماليتها ولقطاتها البارعة , ولا زلت لحد الان متابعا لها, وتعرفت بالتاليعلى مواقفه الفكرية تجاه الكثير من المواضيع , ومن بينهاموقفه من قضايا الادب الروسي وشخصياته واتجاهاته, وهو اختصاصي العلمي وجوهر عملي, ووجدت ان الاراء التي يطرحها في هذا المجال (رغم ندرتها ) غير دقيقة نوعا – ما, بل انها تخضع بعض الاحيان لمواقف غير موضوعية ,وترتبط– بشكل او بآخر – بمواقف سياسية بحتة سائدة في بلدان الغرب الاوربي بشكل عام تجاه روسيا وتاريخها وموقعها في الحياة الدولية,وبعيدة– بالتالي – عن آراء وافكارالاوساطالروسية الحقيقية والمعنية بالموضوع بغض النظر عن السياسة ودهاليزها واساليبها الملتويةبعض الاحيان, ولكني مع ذلك حاولت ان أجد تبريرات لذلك الموقف نتيجة اعجابي بما يكتب بشكل عام , معتبرا انه كصحفي لا يستطيع التعمق والتخصص في قضايا ادبية بحتة حول آدآب العالم قاطبة , ولكن استمراره بطرح تلك الاراء والافكار- بين الحين والحين – حول الادب الروسي والادباء الروس قد اضطرني اخيرا للتفكير في ان اتوقف قليلا عند تلك الآراء ,وهكذا قررت كتابة هذه السطور كي اناقشه حولها وأسجل موقفي المحدد والدقيق تجاه ذلك, رغم استمراري بموقفي العام تجاهه واحترامي له واعجابي الكبير به , ولن يؤثر ذلك مطلقا على مجمل مواقفي بشأن كتاباته, واتمنى ان يطلع الاستاذ سمير عطا الله عليها, واتمنى ايضا ان يوليها بعض اهتمامه ولا اريد ان اقول ان يأخذها بنظر الاعتبار– بشكل او بآخر – باعتبارها ملاحظات قارئ معجب به وبنشاطه الفكري والصحفي عموما ليس الا.
النقطة الاساسية التي اريد ان اتوقف عندها قليلا واتحدث عنها , وبالتالي انطلق منها – هي الموقف من روسيا كحضارة وكيان اجتماعي , وهو ما اشرت اليه اعلاه, واظن ان هذا الموقف هو الذي يحدد ويؤثر على الآراء الاخرى المستنبطة منهوالمرتبطة به. لقد ذكرت ان موقفه يعتمد ويستند على النظرة الغربية التقليدية السياسية تجاه الاتحاد السوفيتي في حينه ثم روسيا الاتحادية لاحقا, والتي عانينا منها كثيرا نحن خريجي الجامعات الروسية في بلداننا العربية في النصف الثاني من القرن العشرين فصاعدا, ولكننا تحررنا من تلك المعاناة بالتدريج في الربع الاخير من القرن العشرين, عندما ابتدأ العقل العربي بالاقتراب من التفكير الموضوعي والعقلاني في معالجة الافكار والظواهرالعالمية وتفاعلها مع الظواهر المحلية, ولكن الاستاذ سميرعطا اللهلا زال يدور في فلك تلك الافكار التي كانت سائدة في اوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية واجواء الحرب الباردة التي أعقبتها,وباصرار على ما يبدو, لدرجة انه اعتبر العراقية زها حديد ( اعظم مهندسة في التاريخ !) واشارالى ان السبب الرئيس في ذلك يكمن فقط في – ( انها لم تذهب الى جامعة سوفياتية ), وكم اندهشت وتعجبت جدا من ذلك الاستنتاج الغريب, والذي جاء على لسان صحفي كبير مثل الاستاذ سمير عطا الله !!, واريد ان أسأل الاستاذ سمير كم من العراقيات خصوصا والعربيات عموما( لم يذهبن الى الجامعات السوفياتية !), وأصبحن بالتالي( مهندسات عظيمات !) ودخلن في التاريخ العالمي للهندسة مثل حال المهندسة العراقية زهاء ابنة السياسي والاقتصادي العراقي الديمقراطي العملاق المرحوم محمد حديد؟؟؟؟؟ان روسيا هي بلد يقع في اورآسيا( اوربا وآسيا او يورآسيا كما ترد في بعض المصادر), وهي دولة متوسطة التطوربشكل عام حسب الارقام الرسمية الدولية المعتمدة عالميا,والتي لا يمكن اهمالها او عدم الاعتراف او الاقرار بها, وتمتلك هذه الدولة خصائصها وطريق تطورها التاريخي الكبير ومسيرتها ومكانتها واهميتها وتأثيرها اقليميا وعالميا, ويجب علينا – نحن العرب – ان نتفهم ذلك ونتقبله ونتعامل معه بغض النظر عن آراء الاخرين ( وخصوصا الغرب ) تجاهها وان نأخذ ذلك بنظر الاعتبار انطلاقا من مصلحة بلداننا فقط لا غير قبل كل شئ وبعد كل شئ , مصلحة بلداننا في ضرورة ايجاد التوازن الدقيق والحقيقي والواقعي لموقعنا ومكانتنا في عالمنا المتشابك الحالي , ولهذا فاني اعترض – وبشدة – على تسميتها من قبلك يا استاذ سمير بانها – ( جمهورية بوتين )كما جاء في احدى مقالاتك,وهو مصطلح معلب وجاهز في بعض الاوساط الغربية المعروفة, واذا أخذنا تلك التسمية وعممناها فكيف سنسمي قبل كل شئ بلداننا العربية ؟؟؟ ان هذه النظرة غير الموضوعية الى روسيا قد انعكست على تقويمك لظواهر الادب الروسي, و هي التي أدٌت بك الى ان تقول ان ( تورجينيف هرب الى باريس في القرن الاسبق) من السجن والاضطهاد وسيبيريا والملاحقة والمنفى في روسيا, بينما تورغينيف كان غالبا ما يسافر الى باريس من روسيا لانه كان يعشق امرأة فرنسية , وهي قصة حب مشهورة و جميلة وحزينة في تاريخ الادب الروسي, وكان يسافر طوال الوقت من روسيا اليها كي يكون بقربها , وقد مات هناك وجلبوا جثمانه من فرنسا ودفنوه في وطنه روسيا, علما انه كان غربي النزعة بشكل عام, وكتبت ايضا( ان سولجينيتين هرب الى امريكا في القرن الماضي ), بينما هو لم يهرب, بل تشبث بوطنه, ولكن السلطات السوفيتية قررت ان تنفيه من الاتحاد السوفيتي لعدم موافقتها مع افكاره, وهي خطوة شجبها العالم في حينها, وهكذا سافر بالطائرة من روسيا الى المانيا واستقبلوه هناك , وقرر هو نفسه ان يتفرغ لكتابة مؤلفاته في الريف الامريكي, وهذا ما كان فعلا, وقد عاد الى روسيا معززا مكرما فيما بعد وتوفي فيها وتم دفنه بحضور رئيس الدولة الروسية ومشاركة ممثلي اوسع الاوساط الروسية, وكتبت ايضا ان دستويفسكي تم سجنه في روسيا القيصرية بتهمة ( الاختلال العقلي ) وهذا شئ لا اساس له من الصحة بتاتا, وتشير كل المصادر ( بما فيها العربية ) الى ان سبب اعتقاله هي تهمة انتمائه الى جماعة بيتراشيفسكي الاشتراكية في القرن التاسع عشر,ثم تم اطلاق سراحه واصبح اديبا روسيا وعالميا عملاقا فيما بعد, وكتبت ايضا ان التهمة التي وجهها العصر السوفيتي الى سولجينيتسين هي ( الاختلال العقلي ) وهذا ايضا شئ لا اساس له من الصحة بتاتا لا من قريب ولا من بعيد, ولا اريد التعليق حول موضوع زوجات الادباء الروس في مقالتك الاخرى, ولكني اود ان اشيرالى ان زوجة سولجينيتسن نتاليا( وهي زوجته الثانية ) تعيش معززة ومكرمة في روسيا الان , وقد استقبلت قبل فترة الرئيس الروسي بوتين , وعرض التلفزيون الروسي ذلك اللقاء , واقترحت عليه ادخال كتاب سولجينيتسن ضمن مناهج الادب في المدرسة الروسية , وقد تم تنفيذ هذا المقترح فعلا الان. واخيرا اود ان اشير– وبكل ود – الى ان الجملة الآتية والساخرة التي كتبتها في مقالتك وهي – ( لا نسمع عن هارفارد او ستانفورد في روسيا, بل عن حملة شهادات الدكتوراة العربية من جامعة باتريس لومومبا ) تعتبر اهانة مؤلمة , بل وحتى جارحة لكل خريجي الجامعات الروسية الاجانب, والذين يبلغ عددهم الان حسب الاحصاءات الرسمية اكثر من مليون خريج يتوزعون في حوالي 140 بلدا في العالم , يعملون ويساهمون في بناء بلدانهم , ومنهم طبعا العرب, الذين اسسوا جمعيات علمية تضم خريجي مصر وسوريا والعراق وتونس ولبنان والسودان وفلسطين والاردن والمغرب والبحرين والجزائرو عقدوا عدة مؤتمرات لهم وآخرها مؤتمرهم في الاردن والذي افتتحه الامير الحسن بن طلال, والذي استلمت الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية فيه دورها برئاسة اتحاد جمعيات الخريجين العرب , وان لم تسمع به فتلك مصيبة وان سمعت به فالمصيبة اعظم, علما ان بعض خريجي تلك الجامعات هم من زملائك الان يا استاذ سمير , ويعملون في الصحافة العربية معك في لندن وباريس.