27 ديسمبر، 2024 3:25 ص

سميح القاسم : الشاعر والبطل توأمان

سميح القاسم : الشاعر والبطل توأمان

أنا من بلاد الله، أبحث عنه ُ في بلدٍ غريب

على كتفٍ أحمل تابوتي ..

على كتفي الآخر

أحمل كيسا من الخيش..

سميح القاسم

(1)

برحيل سميح القاسم ،أكتمل الغياب الجسدي لشعراء المقاومة الفلسطينية ،أكتملت حقبة امتدت منذ أوائل خمسينات القرن الماضي ،لشعراء شاركوا بالفعلين السياسي والشعري ، عرفوا اقبية التعذيب والكتابة على جدران السجون ،دافعوا عن الحق الفلسطيني وناصروا شعوب الارض .بأشعارهم اختزلوا جغرافيا الوطن العربي ، قبل عنكبوت النت ..أختزلوها بضراوة قصائدهم المحتفية بكل ماهو جميل وثوري قوميا وأمميا : توفيق زياد، سميح القاسم، محمود درويش، سالم جبران ، معين بسيسو.. بأشعار هذه الثريا الشعرية، كنا يومها نستمد أملا لايكف عن الاخضرار المتقدم،وكانت الطبعات الاولى بحجم الكف والقلب ،نترقبها من دار العودة بيروت..شخصيا … أقرأ دواوين خالد أبو خالد ..حنا أبو حنا ..أحمد دحبور..محمد القيسي .. عزالدين المناصرة .. ابراهيم وفدوى طوقان..لكنني كنت ارى حزمة النار أكثر توهجا في الثريا الاولى، هل رؤيتي لنار الشعر كانت رؤية أيدلوجية؟ أم وجدت في قصائد الثريا زيتا لسراجي، وهكذا أصبحت تلك الاشعار الفلسطينية مفصلا مهما في وعيّ اليساري،ومكونا اساسيا من مكوناتي الثقافية.. فأتغنى بما أحفظ من اشعارهم ، واقتفي كل جديد منهم..وأحبهم كأصدقاء خلص ،أليست هذه الكوكبة الشعرية الفلسطينية، هي من شهودنا الأوائل على الحضور ؟.. ألم تخصب هذه الثريا الفلسطينية، يوتوبيا الرومانسية الثورية في أحلامنا ونحن نتوغل مبتهجين في زهرة الرمان ..ألم يرمم الجرح الفلسطيني خطواتنا كحراس لذلك الفنار ؟ كم نحن مدينون للزعتر وقصفة الفيجن والفدائي خالد أكره وطيارته المروحية؟ والفدائية ليلى خالد..؟ وسرحان العلي من عرب الصقور ،الذي خلده توفيق زياد بمعلقة شعرية كما خلد ثورة العراق 14تموز المجيدة بقصيدة ٍ لاتنسى .. وصاح محمود درويش صحيته الشعرية (فكن عراقيا لتصبح شاعرا) وخاطب سميح القاسم ،الجواهري الأكبر (أنا جعفر في أرض ٍ أخرى…) وأعلن في قصائده الرشيقة(برلين تستعيد شعرها) و(قميصي غارق في الدم يا إيفان ) و(أبدا على هذا الطريق )..

(2)

كلما عدت الى قراءة دواوين الشاعر سميح القاسم وجدتني أمام ذات النار في قصائده

بل حتى في كتابه السردي (عن الموقف والفن) ارى ضراوة النار في سردياته المشعرنة ،في رسائله المتبادلة مع محمود درويش ..فأيقنت ان آية النار في قصائده هي أزلية الفتوة ..

(حاوروني بالمنافي ..أتحدى

فندوا الحجة بالاصفاد والزنزانة الخرقاء،

إني اتحدى !

ألبوا الطاعون والحزن

وأبقى أتحدى

أقطعوا زندي

بالصدر المدمى اتحدى !

واقطعوا ساقي

اعلو صهوة الجرح وامشي

وبعنقي اتحدى !

بجبيني اتحدى

وبأسناني،

وأسنان الاغاني…أتحدى.!)

التحدي البطولي، ليس مرتجلا عند سميح القاسم، ولايتموضع تحديه في هواء الكلام وحسب قوله في كتابه عن الموقف والفن ..(فالعمل الشعري يتحمل مسؤولية وهي : تحريك المتلقي،

عاطفيا وذهنيا، وادخاله الى وضع نفسي ساطع / ص9).. وليس سميح القاسم من الذين يتأملون

الحياة من النافذة أو أحلام اليقظة ، بل هو مجبول من تلك النار الفتية وهو بحق كما كتبوا عنه

في ستينات القرن الماضي..(شاعر يهدر صوته عظيما بين الجماهير. يثير الجماهير .تزجه السلطات الاسرائيلية ،أكثر من مرة . في السجون . يتحدى السلطات .يتعرض للتعذيب . يصمد.لايتراجع .يبدع الشعر في السجن .يجابه بشعره حديد السلطات.. يهدر صوته عظيما بين الجماهير.عملاقا.، وعنيفا ،بوجه الوحش والعنف..)…لكن لهذا الاسد الشعري ،رقة الفراشة

ورقرقة الينابيع المبللة بظل أخضر.. فهو وبشهادة الناقد محمد دكروب (أليف ،وجميل .دائما يبتسم. ودائما يمزح. وتحسبه لينا طري العود. وتظنه من أولئك الشعراء الرومنتيكين الجوالين ) وبشهادة سميح القاسم نفسه..(أنا إنسان عادي، مثل كل الناس..مثلهم أحمل وطني في قلبي ومثل الكثيرين ،أقول الشعر ) لكن هذا الانسان العادي كما يصف نفسه هو الذي أغنى المكتبة العربية بهذا الدوي الشعري(مواكب الشمس )(أغاني الدروب )(أرم)

(دمي على كفي)(دخان البراكين )(سقوط الاقنعة/( رحلة السراديب الموحشة) (طائر الرعد)(طلب انتساب للحزب)(قرآن الموت والياسمين ) (مسرحية قرقاش ) وغيرها من الدواوين ،اضافة الى نشاطه الصحفي ونضاله السياسي ،فهو لم يتدرب شعريا لينتظر مهرجانا

حكوميا أو طائفيا، بل هو يضرم قصائده وحسب شهادته:(كنت ألقي الشعر في كل مكان .في الشوارع والبيوت والساحات والنوادي..)..

(3)

يقترب كثيرا سميح القاسم ،من توفيق زياد في الحفاظ على الأدب الشعبي الفلسطيني، فهذا الأدب من مقومات الهوية الفلسطينة التي حاول الاسرائيليون محوها..لقد وظف الشاعر الكبير توفيق زياد الادب الشعبي الفلسطيني في التناول الشعري لسيرة البطل الفلسطيني سرحان العلي وهو غير سرحان بشارة سرحان، ووظف كذلك الاغنية الفولكلورية (عذّب الجمال قلبي) في قصيدة كاملة..ولم يكتف ِ بذلك فقد أصدر توفيق زياد كتابا سرديا حول( الادب والأدب الشعبي الفلسطيني)..سميح القاسم فعل الشيء نفسه وبمهارة فائقة ضمن الفضاء نفسه

يارائحين الى حلب

معكم حبيبي راح

ليعيد خاتمة الغضب

في جثة السفاح

هنا يقتطف الشاعر سميح القاسم مطلع الاغنية (يارايحين ع حلب حبي معاكم راح)

وقد شخّص ذلك قبلنا ياسين رفاعية، في مقدمته لديوان (طائر الرعد) شخّصه كتوظيف للفولكلور العربي..مايهمني هنا كيف سيعمل على تشغيل هذا المطلع عبر الاحالات التكرارية المتشظية في قصيدة (أصوات من مدن بعيدة ) ، يكون المقطع الاول كالتالي :

يارائحين الى عدن

معكم حبيبي راح

ليعيد لي وجه الوطن

ونهاية الاشباح

ومن عدن ينتقل الشاعر الى معجزة الصداقة السوفيتية المصر الى السد العالي في أسوان، مكتفيا بذكر المدينة لتنوب عن ذكر السد العالي :

يارائحين ،وخلفكم

عينا فتى سهرا

مازال يرصد طيفكم

قمراً على أسوان..

ثم يكون مسك الختام فلسطين المآب

قلبي تفتت، وألتقى

في روضكم..ورده

عودوا بها والملتقى

في ساحة العودة !

في المقطع المّرقم -2-، ستكون الإحالة ،عبر فعل مضارع جمعي( يجيئون ليلا ) يقابله

أفعال أمر جماعية :(أستيقظوا،أحرسوا، هاتوا،أفهموني، ألقوا، قوموا..):

يجيئون ليلاً، يجيئون

فاستيقظوا استيقظوا

واحرسوا القرية الخائفه

يجيئون ليلا،

من الغرب..من مسرب العاصفه

أظافرهم من بقايا السلاسل

وأسنانهم من شظايا القنابل

يجيئون من عتمة الأعصر السالفه

يجيئون، قلت، على عربات قديمه

تئنّ بأثقالها الخيل ..خيل الجريمه

(يجيئون ليلا)

فهاتوا الهراوات..هاتوا المشاعل

(من الغرب) قلت لكم، فأفهموني

وألقوا المسابح للنار،

ألقوا غبار القرون

وقوموا نقاتل ..

نلاحظ ان الاحالة التكرارية، لها وظيفة مركبة، فهي اضافة الى وظيفتها المألوفة فأنها في كل مرة تضيف مساحة لفضاء النص:

*زمن المجيء (يجيئون ليلا) ولهذا المجيء وقع التسلل والغدر

*جهة المجيء(يجيئون ليلا من الغرب..من مسرب العاصفة)

*صورة العدو (أظافرهم من بقايا السلاسل، وأسنانهم من شظايا القنابل)

انها صورة مكتملة الرعب، كأننا أمام الوحوش في فيلم الخاتم السحري..ثم تتسع الصورة بضرورة التفصيل، من خلال كشط الحاضرة

لنكتشف أصول الجايئين : (يجيئون من عتمة الأعصر السالفة)..

(يجيئون،قلت على عربات قديمة

تئن بأثقالها الخيل..خيل الجريمة)..هذا المقطع من القصيدة درس في الشرح شعريا لهوية القادمين ..وهذه الاحالات موجهة للمخاطبين لمعرفة فداحة ماسيحدث..ولايكتفي الشاعر بذلك ..فهو ينتقل الى المرحلة الثانية من الشرح مخاطبا قومه، من خلال أفعال الأمر، وهكذا ينقسم هذا المقطع الشعري الى قسمين..وها هي التتمة في القسم الثاني :

(فهاتوا الهراوات، هاتوا المشاعل

وألقوا المسابح للنار

ألقوا غبار القرون

وقوموا نقاتل !)

كقارىء ارى الكفة غير متوازنة عسكريا، في المعركة ،أسلحة المهاجمين :

( أظافرهم من بقايا السلاسل، أسنانهم من شظايا القنابل

يجيئون ..على عربات

تئن بأثقالها الخيل)

أسلحة المدافعين : هراوات، مشاعل

(4)

الشاعر سميح القاسم ليس من هواة جمع الحروب والطوابع، فهو يتناول العالم أممياً وينافسنا على زيادة نسل الهديل وتدفق الاخضر فينا..كما هو الحال في المقطع السادس من (رحلة السراديب الموحشة)

(حلت صنوبرة ضفائرها، وظللت الجنود

العائدين من الحدود

شمس الظهيرة في بنادقهم وأتربة الخنادق

– الجو خانق !

– أبصرته متحفزاً

أبصرت في كفيه موتي

جمدت يداي على حديد البندقية

لم يطلق النار..أقتربنا..أزداد حجم السنديان

بادلته تبغا بماء

ماذا يقول الادعاء

في نص أنظمة الطوارىء والشؤون العسكرية !/ 59- 60)

-3-

في (الخفافيش) أحدى قصائد (بانتظار طائر الرعد)، تشتغل القصيدة على تفعيل العنوان، من خلال سبع إحالات تكرارية، لثريا القصيدة :

(الخفافيش

الخفافيش على نافذتي ،

تمتص صوتي

الخفافيش على مدخل بيتي

والخفافيش وراء الصحف ،

في بعض الزوايا تتقصى خطواتي

والتفاتي

والخفافيش على المقعد ،

في الشارع خلفي ..

وعلى واجه الكتب وسيقان الصبايا ,

كيف دارت نظراتي !

. . . . . . .

الخفافيش على شرفة جاري

والخفافيش جهاز ما , خبئ في جدار

والخفافيش على وشك انتحار

…………….

انني احفر دربا للنهار ! )

لمفردة الخفافيش ثلاث وظائف في القصيدة : العنونة، الاستعارة، الانابة عن سواها..تشتق القصيدة عنوانها من داخلها، والخفافيش تشير الى وسائل السلطة الاسرائلية في مراقبة الفلسطينين..حد الملاصقة مع وجودهم اليومي: على نافذتي/ تمتص صوتي/ مدخل بيتي/ وراء الصحف/ تتقصى خطواتي/ على المقعد/ في الشارع خلفي/ واجهة المكتب/ سيقان الصبايا….ثم بعد سطر منقوط تنهتك القصيدة أستعارتها..(الخفافيش جهاز ما، خبىء في جدار)..والمحذوف في القصيدة هو زمن الخفافيش ونشاطها، أعني الليل، وهكذا تكون للخفافيش،وظيفة علاماتية تشير الى الليل، وهذا هو الهتك الثاني للأستعارة تختتم به القصيدة ، بعد سطر منقوط

(أنني أحفر درباً للنهار !/44)

(5)

في(مساء واحد فقط) القوة الدافعة لسيرورة القصيدة هي أحد الافعال الخمسة، وهو هنا الذي نخاطب به الذكور،ويمثل الفعل القدرة المنفّذة(تستطيعون) وستكون عدد الإحالات سبعا..

في الاحالة الاولى..

(تستطيعون هذا المساء

أن تكونوا الذي لاأكون

وتشاءوا الذي لاأشاء /117)

وحتى يؤكد المتكلم في القصيدة على التحديد سينهي العنونة بفقط ..(مساء واحد فقط) ثم تستمر الاحالة في تأكيد قوة الكثرة ومؤثريتها السالبة على الواحد الذي يبدو أعزلا أو يوهم بعزلته:

(تستطيعون أن تضحكوا

من وقوفي على رابيه

عاريا … عاريا ..

واحتقان البكاء

في شرايين وجهي المضاء

با لرؤي الدامية

تستطيعون يا سيدتي

مخلبي بعته في المزاد

بعته ..من قرون

و اشتريت الرقاد

في ظلال النخيل الحزين

تستطيعون يا سيدتي

بصماتي غدت كلها اليوم معروفة

في محطات بوليسكم كلها

وكلاب الاثر

ومهنة الركض خلفي

وفن اكتشافي طريحا

على زهرة او جحر

نازفا ..نازفا … احتضر

تستطيعون هذا المساء

ان تحزوا رقاب الشجر

لتنالوا أقاصي الثمر

تستطيعون يا سيدتي

أن تحيلوا القمر

مخبرا تافها,

والجبل ….

خائنا او بطل !)

ثم تتوقف قوة الاستطاعة والهيمنة وهكذا سوف يتم تعليق قوة هذه الكثرة الباطشة فهاهو الواحد يكشف عن قدراته في التحول السريع :

(فأنا ،زهره ،سنبلة

مرة ً

وأنا مرة ً..قنبله

وعروقي في أنابيب نفط وماء

وجدير أنا بالبقاء

الهموم التي أثقلت كاهلي في الطفوله

مسختني حجر

وأقتحامي وعور الرؤى المستحيله

شدني شدني كالوتر

فأسمعوا صرختي في الرياح

واشهدوا عودتي في المطر/ 121)

(6)

يتوزع ديوان (رحلة السراديب الموحشة) بين ثلاث رحلات :

*أسكندرون في رحلة الداخل والخارج : ص15- 41

*رحلة السراديب الموحشة : ص45-68

*أطفال رفح : ص 73- 87

في رحلة اسكندرون يجيء الشعر بطراوة الحكي الشفاهي، والرمز شفيف بشفافية القشرة التي تكتنز شيف البرتقال ..وبشفافية الغشاء الذي يكتنز حبات الرمان..ومن خلال الرحلة نرتشف نبيذ الرحلة ،من حنظل التجربة

(رافقتها طفلا، لمدرسة السموم الطائفية

قبّلتها سرا،

ونمنا خلف سور العائلية

عادية كانت،

وكنت زميلها في الكارثة

يوم أكتشفت سقوطها في ملجأ الأيتام ،فجأة !

فعقدت – قبل الأربعين – قراننا

وبدون حب جارف

في ملجأ الايتام فجأة

يوم أكتشفت سقوطها البحري،

والبري

والجوي…. فجأة .

وسقطتُ مطعونا

ونجم سينمائي يداعب لحمها

ويبيح دفئه..- ص20-21- رحلة السراديب )..

مابين القوسين شفرة شفيفة مفتوحة ،تحمل وجيز ماجرى لفلسطين ..

ونلاحظ تكرار مفردة فجأة ثلاث مرات ،لكن علامة التعجب لاتثبت إلا على

الاولى..(يوم أكتشفتُ سقوطها في ملجأ الايتام. فجأة !) فالمفاجئة هي هنا

وهي مفاجأة من طرفين : سقوط ——- يتم

اي انها اصبحت دون ركيزة ، اما الفجا ئتين التاليتين، فهما توسيع للمفاجأة الاولى..ثم يأتي سطرٌ من التنقيط بعدها تعلو النبرة العالية في القصيدة بصريخ ٍ دام ..(صحيح أن الصراخ قلما يكون وسيلة للشعر ،لكنه في هذه اللحظة من تاريخنا ،قدر نفسي يحكمنا .ومن يوقظ النيام المخدّرين قد لايكفيه الصراخ وحده..- ص320أدونيس)..

(من قال،وجه مستعار يشتري شرفي

بمالٍ مستعار

من قال ،يسقط ألف باب

وتظل مائدة القمار

من قال،في لحمي تمد جذورها السوداء

مائدة القمار

من قال،توضع زوجتي رهناً

وتأخذني الصحاري والبحار ؟/ص22)

في المفصل الثالث يتغنى الشاعر بذلك المجد الغابر ،

(قدمي تدق بلاط أوربا

ووجهي في رمالك ياجزيرة / ص22)..

(7)

تستوقفني (أبناء الحرب )هذه القصيدة القصيرة من ديوان (بانتظار طائر الرعد) انها قصيدة كل الحروب،وفي كل زمان ومكان ، وعنوان القصيدة مفتاح شفرتها الواخزة

(في ليلة الزفاف

ساقوه للحرب

ومرّت…خمسة عجاف

ويوم أن عاد على حمالة حمراء

لاقاه في الميناء

أبناءه الثلاثة !/ ص59) ..

الزفاف يشير الى العرس ..لكن الزفاف في القصيدة ، يعني إلغاء العرس ،وتتحول ليلة العرس الى ليلة الحرب ..والقصيدة تختزل الفاعل مكتفية بالفعل الجماعي( ساقوه) والسوق مفردة متداولة عسكريا ، وهو فعل ساقوه مشحون بقوة عابسة ..ثم تختزل القصيدة ،زمن (العريس) المساق ب( خمسة عجاف )..ولون الحمالة يعني ان العائد

لاحول ولاقوة..وكل ذلك في اطار التوقعات ، لكن يبدو ثمة برزخ جغرافي بين مسافتي

الحرب والسلام..والبرزخ هو : الميناء ، والغرائبي الشرس جدا ،ان من كان ينتظره

في الميناء : أبناءه الثلاثة !! وحين نتساءل كقراء هؤلاء الثلاثة ابناء مَن ؟ سنجد الاجابة في عنوان القصيدة : أبناء الحرب..

(8)

سميح القاسم ،عانى كثيرا من أصدقائه الجميلين الخونة ،فالغياب خيانة وفق مقياس محمود درويش ..وهاهو سميح القاسم ، يعانق توفيق زياد ومحمود درويش معين بسيسو ،سالم جبران ..راشد حسين ..أميلي حبيبي، صلاح حزين ،فدوى طوقان ..لكن سيمكث قليلا.. ليجّرد الغياب من الأوسمة ثم سيرجع للموت حقائبه الدبلوماسية، بعدها..يضمّد قلبه بقصيدة ،ويتصل بنا نحن الذين على شرفة الانتظار واقفين ..هاهو يتصل..ليبشرنا

(أغسلوا الدمع عن وجهكم والغبار

حلوا جميع الشباك

أصلحوا الباب والسلّم

أسترجعوا العنزة الشاردة

أرفعوا السروة الهاوية

رمموا الحوش والبئر

واسقوا مشاتلنا الذاوية

أنني عائد،

والجياد التي هزمتها السجلات والقاذفات

عائده

وأنا واعد …

وأعد، أن تكون الجياد التي تسرجون

مثلما تشتهون

حرّة الأصل والفصل

نفاثة..صامده ..)…
*المقالة منشورة في صحيفة الزمان /25/ آب /2014

*عتمدنا على كتب سميح القاسم وهي

(1)رحلة السراديب الموحشة/ دار العودة / بيروت /ط1/ 1969

(2) بانتظار طائر الرعد/ دار الآداب / بيروت /ط1/ آب 1969

(3)عن الموقف والفن – حياتي وقضيتي وشعبي/ دار العودة / ط1/ 1970

(4) بخصوص ياسين رفاعية،أقترضنا من مقدمته لمجموعة طائر الرعد

(5) توفيق زياد/ في الأدب والادب الشعبي الفلسطيني/ دار العودة / بيروت/ ط1/ 1970

(6)أدونيس / زمن الشعر / دار الساقي / بيروت /طبعة سادسة منقحة ومزيدة / 2005