المسرحية تتكرر كل عام وفصولها واضحة للعيان وعنوانها الموازنة الاتحادية للعراق ، وأحداثها تدور في العراق وسيناريوهاتها لم تتغير قط ، فكل كتلة لديها أهداف تريد تحقيقها من خلال الاتفاقات وبطريقة الشد والجذب يتم الاتفاق على آليات التصويت فيتم التصويت ويتم تبادل التهاني لما تحقيقه من انتصارات ، والخاسر الكبير من هذه الموازنات هو العراق وأبناء شعبه فاغلب أموال الموازنة موجهة لخدمة شرائح معينة بدلا من تحقيق المنفعة للجميع عدا بعض الاستثناءات على سبيل التجميل وترويج الشعارات ، ومن خلال المتابعة التفصيلية لأغلب موازنات العراق منذ 2004 ولحد اليوم فان موازنة 2016 تعد الاسوا بعد 2014 الذي خلى من وجود الموازنة الاتحادية ، وتنطبق كلمة ترقيعية بالكامل على موازنة 2016 فهي مليئة بالثغرات وتم إعدادها بأدنى الطرق البدائية ولم تحوي مكسبا محددا لعموم الشعب ، إذ تم تسويقها بغلاف دعم الحشد الشعبي والنازحين رغم إن بنودها لا تحوي تبويبات واضحة لهما إذ تم تمويلهما من خلال استقطاع 3% من رواتب ومخصصات الموظفين والمتقاعدين أو من خلال المناقلة من التخصيصات الأخرى ، ويظهر للعيان إن التعويل على الاستقطاعات والمناقلات يحوي هدفا مبطنا وهو إنشاء فجوة بين الحشد الشعبي والنازحين والشعب ، رغم إن الحشد يقدم اكبر التضحيات من خلال الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين ، كما إن النازحين هم ضحايا السياسات التي اتبعها السياسيون خلال السنوات الماضية عندما تركت الأمور بدون حسم لا من خلال الاستجابة للمطاليب أو من خلال المواجهة والردع للمسيئين والمشبوهين .
ومن الناحية العملية ، فان الموازنة التي تم التصويت عليها ( الأربعاء ) بالسرعة الفائقة ، سيتم تطبيقها خلال عام 2016 وفي كل شهر سيلاحظ الموظفون والمتقاعدون وجود نقصا في رواتبهم بعد خصم 3% من مجموع الاستحقاق وليس من الراتب الاسمي ، وحين يسالون لماذا هذا النقص فسيقولون لهم بان ما تم استقطاعه سيذهب 60% للحشد الشعبي و40% للنازحين ، وسيتكرر هذا السؤال ل12 شهرا خلال العام القادم ، ولكم أن تتوقعوا التعليقات وابسطها لماذا تمول الحكومة هذين القطاعين المهمين من رواتبنا بالذات ولماذا لا يكون لهم تخصيص محدد حالهم حال الداخلية والدفاع والحشد الشعبي جزءا فاعلا من منظومة القوة القتالية للبلاد كما إن النازحين يجب أن ترعاهم وزارة الهجرة والمهجرين باعتبارها الوزارة ذات الاختصاص في الموضوع ، وقيمة هذه الاستقطاعات ربما ليست قليلة للبعض لأنها بمقدار 30 ألف دينار لكل مليون دينار وقد جاءت بعد تطبيق سلم الرواتب الجديد الذي اضر بأغلب الموظفين ومضاعفة الضرائب على الموظفين بأثر رجعي مما يعني الاستقطاع المضاعف لتسديد الفروقات ، كما إن ذلك جاء بعد أن تم فرض استقطاعات للحماية الاجتماعية وبأثر رجعي منذ عام 2014 ، وهي أمور يعرفها واضعوا الموازنة ونعتقد بأنه كان من المناسب أن لا يكون الموظفون والمتقاعدون هم من يمولون الحشد والنازحين بشكل علني ، ففي حالة الدولة المعسرة كان من المناسب فرض ضريبة أو استقطاع تحت مسمى آخر كأن يكون الدفاع الوطني أو المساهمة المجتمعية أو غيرها من التسميات التي لا تمس بشكل مباشر الحشد الشعبي والنازحين ، ويبدو إن جرأة من وضع الموازنة قد تجاوز الحياء السابق من خلال إيجاد استقطاع الادخار الإجباري .
وإذا أردنا الخوض في بعض تفاصيل الموازنة سيجد المطلع نصا يتكرر كل عام وهو تخصيص نسبة 17% لإقليم كردستان على أن يعاد النظر بها عند إجراء التعداد السكاني ، وليست هناك إرادة حقيقية لإجراء هذا التعداد منذ 2003 بسبب ما تكشفه نتائج التعداد وعدم توفر الظروف الملائمة لذلك من وجهة نظر السياسيين ، ومن الفقرات التي تثير السخرية في الموازنة هو تقدير سعر برميل النفط على أساس 45 دولار وهي غير قابلة للتطبيق في ظل التنافس على المعروض النفطي ، ناهيك عن الاعتماد على تصدير 3,6 مليون برميل يوميا على مدار السنة وبدون توقفات ، رغم إن إقليم كردستان خارج سومو منذ ثلاثة أشهر وعدم القدرة على ضمان استمرار الصادرات لعدم وجود خزانات كافية للخزن وتأثر الميناء بالعوامل الجوية التي تسبب العديد منذ التوقفات ، ومن جهة أخرى فان الموازنة قد أهملت النص المتعلق بمضاعفة السماحات لأغراض ضريبة الدخل للموظفين والتي لم تدرج في موازنة 2014 لأنها لم تصدر أصلا ، وقد تم إهمالها أو تناسيها في موازنة 2015 ومما يدل على إن السلطات المالية كانت متقصدة في إهمالها هو إضافة مادة في موازنة 2016 تتضمن زيادة السماحات بنسبة 25% وليس مضاعفة السماحات ،مما يعني إنقاص 75% من السماحات التي كانت ترد في موازنات السنوات السابقة ، ورغم الثغرات الكثيرة في الموازنة الترقيعية فان مجلس النواب قد مررها وهي مسالة تحسب عليه ، وسوف لا تقوم الحكومة بالطعن بموادها كما حصل في موازنة 2015 لان الحكومة هي من أقنعت البرلمان لتمريرها بالشكل الحالي رغم ما تتضمنه من سموم .